وهذا الطلب هو مد العينين إلى احتلال مرتبة الألوهية على أن يكون الإنسان المفكر نفسه هو الإله لا الله سبحانه.
٣٢ ، ٣٣ ـ (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣))
[الشعراء : ٣٢ ، ٣٣]
العصا القدرة ، وهي من الصفات الإلهية السبع ، وفي كتابينا الإنسان الكامل والإنسان الكبير بينا أن الإنسان يستعمل آلات ويسخر قوى ليست له وليست من خلقه ، فالإنسان بعد أن وجد وجد نفسه في هذا الجسد ذي القوى والآلات. ولقد ضرب موسى مثلا لهذه القدرة الثعبان ، والثعبان الحية العظيمة ، والحية إشارة إلى الحياة واسمه سبحانه الحي ، فموسى ذكر فرعون بأنه ليس صاحب ملكه ، أي نفسه وجسمه ، وأنه إن رفع يده فلقد رفعها بقوة أعيرت له ولا يمكنه أن يدعيها لنفسه ، والملاحظ أن تحريك اليد يحتاج إلى أمر من الدماغ ، ويقوم الدماغ بإطلاق إشارات كهربائية إلى عصب اليد ، ولا يعرف حتى اليوم كيف يتلقى الدماغ الإشارة من الإرادة ، ولا كيف يرسل هو الإشارة إلى العصب ، إذ العملية كلها هي من فعل الله وحده خالق الحياة ، وفعل الله سر.
واليد المذكورة في الآية يدان ، يد موسى الظاهرة ومثلها يد كل إنسان واليد الأخرى الباطنة وهي اليد النورانية التي تحدث عنها الإمام الغزالي قائلا إنها أول ما يظهر من عالم الملكوت.
٣٤ ، ٥١ ـ (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠) إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١))
[الشعراء : ٣٤ ، ٥١]
اللقاء الذي كان بين موسى والسحرة إشارة إلى لقاء باطني يعيشه العارف في مكاشفاته ، وفيه يتبين له ما كنا ذكرناه سابقا عن أن الجسم الإنساني بل وجسم كل مخلوق آخر هو خلق