الآيات أمر موجه إلى الاسم العليم بالانطلاق إلى مجموعة الأسماء المتعينة ، وكل منها يقول أنا وأنا ، والأنا حجاب عن الله ، ولهذا كان قوم فرعون ظالمين ، وكان جواب موسى خوفه أن يكذّب ، إذ ليس أشق على الإنسان من التنازل عن أناه ، والفناء الذي تتحدث عنه الصوفية مقام فيه من الشدة ما تجعل الولدان شيبا ، ويقول أبو العباس السياري : ليس في المشاهدة لذة ، لأن المشاهدة فناء لا لذة فيه ، ولهذا كانت دعوة الموحد الناس إلى التوحيد الحقيقي هي دعوة شاقة يضيق بها الصدر وينعقد اللسان.
ولقد قال موسى عليهالسلام : (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) تعبيرا عن إحساس الموحد بالعجز عن القيام بالدعوة للتوحيد ، فالمسألة عظيمة وتحتاج الى بيان وقدرة على التعبير ، ولهذا أوتي صلىاللهعليهوسلم جوامع الكلم ، ويعد كلامه في المرتبة الثانية بعد القرآن ، وكذلك اتصف الإمام علي ببلاغة أذهلت العرب ، وسمي كتابه الجامع لأقواله وخطبه نهج البلاغة.
والنبي موسى لم تكن له القدرة على التعبير ، وكانت في لسانه علة ، ولهذا سأل ربه المدد بإرسال أخيه هارون ، وهارون هنا إشارة الى المدد الروحي للعارف يعلمه ما لم يكن يعلم ، بل ويجعله ينطق بما لم يكن قادرا على النطق به ، وما فعله النبي صلىاللهعليهوسلم في مجال البيان كان معجزة ، فهو كان أميا لا يقرا ولا يكتب ، ولما جعل يقول ، تخصص كتاب معينون في الكتابة مثل معاوية ، وتعتمد علماء اللغة أحاديث النبي مثل اعتمادهم القرآن ، ويحفظون هذه الأحاديث لتقوية لغتهم وحفظ لسانهم من الغلط والضعف ، فالقرآن والحديث حجة الله على البشر.
١٥ ، ٢٠ ـ (قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠))
[الشعراء : ١٥ ، ٢٠]
يبعث الله لكل زمان موحد يعلم الإنسان التوحيد ، وتاريخ التوحيد قديم ، ويعد كتاب الفيلسوف شيلنغ «فلسفة الكشف والأسطورة» حجة في هذا المجال ، حيث كشف شيلنغ وجود التوحيد في كل ما سار في الأرض من قصص وأساطير ، وأن التحريف كان يصيب هذا التوحيد ويحرفه عن مواضعه ويعيده إلى عبادة الأوثان التي اشتهرت عبر التاريخ وقلنا إن أصلها وسببها عبادة الصور في كل زمان ومكان.
والآيات المذكورة تشير إلى علم التوحيد نفسه ، وفي مقدمته الشرائع ، فلقد أنزل على موسى عليهالسلام مثلا الألواح التي كتب فيها من كل موعظة ووصية ، وأوتي داود الزبور وعيسى