بتت أحاديث رسول الله قضية الإيمان والكفر ، وكان النبي يبخع نفسه ألا يكون الناس ، وبعضهم خاصة ، مؤمنين ، ولكن الله قال لنبيه في موضع آخر : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)) [يونس : ٩٩] ، فصارت أحاديث الرسول تؤكد هذه الحقيقة الإلهية التي كثر فيها النقاش والجدل.
فالكفر والإيمان في قبضته تعالى ، وهو القائل : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [يونس : ١٠٠] ، ولو شاء الله لنزل آية خضعت لها الأعناق ولكنه لم يفعل ولن يفعل ، لأن له في الأمر حكمة يعيها العالمون.
٥ ، ٦ ـ (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦))
[الشعراء : ٥ ، ٦]
نتيجة الكفر عدم سماع ذكر الرحمن ، وهذا أمر طبيعي وطبعي ، فهو سبحانه القائل في موضع آخر : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [الإسراء : ٤٥ ، ٤٦] ، فالقرآن لا يقرأ بالعقل بل بالقلب ، والإنسان هو قلب أولا ثم هو عقل ، فالقلب القابض الباسط ، والقلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.
٧ ، ٩ ـ (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩))
[الشعراء : ٧ ، ٩]
الزوج النوع ، والملاحظ أنه لم يرد في الآية ذكر الزوجين بل زوج واحد وفي ذلك لطيفة ، ذلك أن اسم الزوج لا يطلق إلا على الشيء الذي له زوجه الآخر ، يقال عن الرجل زوج إذا كان له زوجة ، وكذلك المرأة ، ويقال عن الاثنين زوجان ، فالزوج الكريم الوارد في الآية هو الشيء الذي له زوجة وإن لم يذكر ، والملاحظ في قوله سبحانه : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [النساء : ١] ، أنه جعل الإنسان الفرد مبثوث من الزوجين ، فيكون بهذا هو الزوجين ، وهذا ما فصلنا الكلام فيه في كتابنا الإنسان الكبير ، ويكون الزوج هنا النوع الجامع للزوجين ، والزوجان المقصودان الشيء ونقيضه باعتبار النقيض زوج الشيء دائما.
١٠ ، ١٤ ـ (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤))
[الشعراء : ١٠ ، ١٤]