صورة الحق الظاهرة لا غير ، ولهذا يقال في الفلسفة : ممكن في ذاته واجب
بغيره ، والغير الله ، فسيئتك تمسكك بأناك ، وحسنتك رد أناك إلى بارئها لتستمع بعد
ذلك بالأنية الإلهية الحقيقية.
٧٢ ـ (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ
وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢))
[الفرقان : ٧٢]
الزور قول
الكذب ، ولقوله سبحانه : (لا يَشْهَدُونَ) لطيفة ، إذ ادعاء الإنسان ملكية نفسه هو كذب ، وما فعله
الإنسان أنه انتحل شيئا وجده بالمصادفة بعد ما خلق ، أو ليس هذا حال الإنسان بعد
أن يتفتح وعيه فيجد لديه جسمه وفكره ونفسه وميوله ورغباته؟
واللغو كل ما
يكون فيه العامة الذين لا يشهدون الحق وأين هو وفعله ، فكل كلمة يقولها اللسان ليس
فيها ريح التوحيد هي لغو ، فكم يبلغ لغو الذين لا يعلمون ، يعلمون ظاهرا من الأمر
وهم عن الحقيقة غافلون.
٧٣ ـ (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ
رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣))
[الفرقان : ٧٣]
الإشارة إلى
المريدين من محبي الصوفية وتابعيهم والذاكرين وطلاب حلقات الدرس والتوحيد الذين
يذكرون بآيات الله من قبل أشياخهم فيسمعون منصتين خاشعين تفيض أعينهم من الدمع ،
يلبون داعي الحق الذي دعاهم على ألسنة المعلمين ويستجيبون.
٧٤ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ
لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا
لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤))
[الفرقان : ٧٤]
الأزواج الشطر
الثاني من النفس الكلية وهي النفس الحيوانية كما قال سبحانه : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الأعراف : ١٨٩] ، والذريات بمثابة الحواس والميل والقصد .. وكونها جميعا
قرة أعين يعني حلول السلام محل الصراع فتطفأ نار الحرب الدائرة في النفس وبين
شقيها ويسود السّلام كما بينا من قبل ، وتصبح الحواس مع الدواعي أداة طيعة
لاستقبال نفحات الله من رياح الهداية والتوفيق والتيسير.
وإذا بلغ
الإنسان هذا المقام صار للمتقين إماما ، ولقد تحدثنا عن المريدين التابعين أشياخهم
، فإذا بلغ أحدهم اليقين انتقل من مرتبة المريد فصار المراد وصار شيخا وبالتالي
إماما ينطق عن الحق ، وينطق الحق على لسانه ، فالإمامة بمثابة الخلافة.
٧٥ ، ٧٧ ـ (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما
صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ
مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧))
[الفرقان : ٧٥
، ٧٧]