لهب بأنها حمالة الحطب الذي كانت تؤذي به النبي ، فما من إنسان ، حتى الموحد إلا ويؤذى من قبل الآخرين كما قال ابن عربي : لا يخلوا الزمان من منازع.
وثمت للموحد موقف آخر ، فهو يتذكر من بيده الأمر كله ، وإليه يرجع كل فعل ، وأنه هو سبحانه سمى نفسه النافع الضار ، الرافع الخافض ، المعز المذل ، فهذه التعينات تفعل بدواع إلهية ، إذ لله الأمر من قبل ومن بعد ، قال الإمام الشاذلي : إياك أن تقف مع الخلق بل إنف المضار والمنافع عنهم لأنها ليست منهم ، واشهدها من الله فيهم ، وفر إلى الله منهم بشهود القدر الجاري عليك وعليهم أو لك ولهم ، ولا تخف خوفا تغفل به عن الله تعالى وترد القدر إليهم فتهلك ، وقال الإمام الشعراني : الكامل يشهد الفعل لله تعالى محضا مع شهود نسبة الخلق في وقوع الفعل ، لا يحجبه هذا عن ذاك ، وقال أيضا : جاهدت الأنبياء والرسل الكفار مع علمهم بأن الكفار ما خرجوا عن الإرادة السابقة فيهم ، إذ للرحمة حد لا تتعداه فالذي أمر بالرفق بالبهائم مثلا هو الذي أمر بذبحها.
ونتيجة هذه الرؤيا البصيرية فإن الموحد يرد على الجاهلين بالسلام : إذ السّلام هو مبتدأ كل شيء ومنتهاه ، وما هذه الحرب الكونية سوى وسيلة لفتق العلم الذي لا ينشر إلا بنار التضاد والصراع ، قال جلال الدين الرومي : ما دام الورد من الشوك ، والشوك من الورد ، فلماذا هما في حرب وخطوب فإما أن هذه ليست بحرب ، وإنما هي تصنع لحكمة مقصودة كمشاجرات باعة الحمير ، وإما أنها ليست هكذا ولا كذلك بل هي حيرة ، إنها خربة ، ويجب أن يبحث فيها عن الكنز.
٦٤ ـ (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤))
[الفرقان : ٦٤]
الآية تتبع الآية السابقة ، إذ الموحد ساجد لربه الذي ظهر في التعينات المتحاربة ، وهذا ما عبر عنه ابن عربي قائلا : إياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير ، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه ، فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها ، فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد.
٦٥ ـ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥))
[الفرقان : ٦٥]
قال سبحانه في موضع آخر : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] ، فالمدخل يكون إلى جهنم ، والإقامة في جهنم ، وجهنم التناقض والتضاد ، حتى إذا جاء اليقين صرف الله عن الموحد عذاب جهنم ونجاه منها كما فعل بإبراهيم عليهالسلام.