ومرتبة الكمل من الأناسي النازلين عن درجة هذا الكمال الذي هو الغاية من العالم منزلة القوى الروحانية من الإنسان وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ومنزلة من نزل في الكمال عن درجة هؤلاء من العالم منزلة القوى الحسية من الإنسان وهم الورثة رضي الله عنهم ، وما بقي ممن هو على صورة الإنسان في الشكل وهم من جملة الحيوان فهم بمنزلة الروح الحيواني في الإنسان الذي يعطي النمو والإحساس ، فليس العالم إنسانا كبيرا إلا بوجود الإنسان الكامل الذي هو نفسه الناطقة ، كما أن نشأة الإنسان لا تكون إنسانا إلا بنفسها الناطقة ، ولا تكون كاملة هذه النفس الناطقة إلا بالصورة الإلهية المنصوص عليها من الرسول فكذلك نفس العالم الذي هو محمد صلىاللهعليهوسلم حاز درجة الكمال بتمام الصورة الإلهية في البقاء والتنوع في الصور وبقاء العالم به ، فاعرف يا ولي منزلتك من هذه الصورة الإنسانية التي محمد روحها ونفسها الناطقة هل أنت من قواها ، أو محال قواها ، وما أنت من قواها ، وهل من بصرها أم سمعها أم شمها أم لمسها أم طعمها ، فإني والله قد علمت أي قوة أنا من قوى هذه الصورة ولله الحمد على ذلك.
٦٢ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢))
[الفرقان : ٦٢]
الخليفة أن يخلف الليل والنهار الشمس والقمر الوارد ذكرها في الآية السابقة ، فالليل للقمر والنهار للشمس أو العكس ، ويكون المعنى هو كما فسر في الآية السابقة ، ويكون تعاقب الليل والنهار هو مثل تفاعل الشمس والقمر في الآية السابقة ، فمن جهة هو حق ، ومن جهة هو خلق ، ومن جهة هو باطن ، ومن جهة هو ظاهر ، والتعاقب الانتقال من الفعل إلى الانفعال ، ثم الارتداد من الانفعال إلى الفعل ، وهذا ما عبر عنه في الفلسفة بالمضايفة بين العلة والمعلول ، فرتبة العلة تتقدم على رتبة المعلول لها عقلا لا وجودا ، أما في الوجود فكل واحد هو علة لمن هو له معلول ، ومعلول لمن هو له علة ، فعلة النبوة أوجبت للأبوة أن تكون معلولة لها ، وعلة الأبوة أوجبت للنبوة أن تكون معلولة لها ، وقد سمى هيغل التضايف هذا العلية الدائرية.
٦٣ ـ (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣))
[الفرقان : ٦٣]
موقف الموحد من الكافرين والمنافقين موقفان ، فهو يؤذى أولا سواء على مستوى القول كقوله تعالى في وصف أعداء المؤمنين : (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ (٣٠)) [المطففين : ٣٠] ، أو على مستوى الفعل كما فعل أبو لهب وامرأته وكانا يؤذيان النبي حتى وصف سبحانه امرأة أبي