الرحمن الصفة الجامعة للوجود الحي ، فالرحمة صفة إلهية أخرجت الوجود من بطنان العدم ، أو كما يقال في الفلسفة أخرجت الإمكان من اللاإمكان أي أخرجت الوجود من إمكان تعينه ، فالرحمن مستو موجود حي سواء اعترف الناس به أم أنكروا ، فما يضر الله شيئا إن أنكر الكافر وجوده أم لا.
٦١ ـ (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١))
[الفرقان : ٦١]
للآية بطنان ، الأول ما عرف في الفلك من قبل علماء الفلك قدامى ومحدثين ، وهو أن السماء ذات بروج من الكواكب وهي اثنا عشر ، كما ربطت الصوفية والحكماء بين الأبراج والبشر ، ولابن عربي في الفتوحات صفحات في وصف هذه العلاقة ، وكيف تؤثر النجوم في الطبائع ، وقال محمد صادق عنقا شاه ، من الصعب أن أقبل الرأي القائل إن مؤثرات النجوم في مسير الحياة ومواصلتها ونسق التفكير ، والخلاصة في جزئيات وجودي وكلياته ، ضعيفة أو ليس لها تأثير.
أما البطن الثاني فهو الوحدة العامة للكون وهي كونه ذا اثنتي عشرة قوة من الحواس الظاهرة والباطنة بالإضافة إلى الفكر والإرادة أما السراج فهو الذات الجامعة المشعة للصفات ، فالسراج هنا معنوي مثل المصباح الذي ضربه الله مثلا لنوره ، والقمر الذات القابلة أو النفس الكلية المسماة اللوح المحفوظ والرق المنشور ، وعليه فالكثرة تدمج في هذه الصورة الجامعة ، ويكون الإنسان الكامل فاعلا ومنفعلا ، طابعا ومطبوعا ، آخذا بذاته لذاته ، فهو واحد وإن تكثر ، وهو يتكثر من قبل معلولاته ، وقيل وحدته من قبل هويته ، أو هو في وحدة مع هويته ، ويكون هو مجموع البشر.
فالحديث إذن عن روح العالم الذي سميناه في كتاب لنا الإنسان الكبير ، وسماه الإمام الغزالي المطاع كما جاء في صفة النبي في القرآن ، فالذات هي التي تشع فهي بمثابة الشمس وأشعتها ، والذات هي التي تكون مساقط الأشعة ، فتكون الذات منها وإليها وبها وعنها ، وهذا ما عنيناه بفتق الرتق الذي كانت السماء والأرض إياه ثم فتقهما الله سبحانه.
فمعنى لا إله إلا الله أن الذات كما قال ابن عربي ، اقتطعت منها قطعة لم تكن بها متصلة لتكون بعد القطع منفصلة فهي تسأل وهي تجيب ، وتبدو جاهلة وهي العالمة ، فكأن ما يقع في الذات الكلية ما يقع في النفس الجزئية من حوار فكري يكون الانسان فيه هو السائل والمجيب ، قال ابن عربي في وصف هذه الصورة الجامعة : إعلم أن مرتبة الإنسان الكامل من العالم مرتبة النفس الناطقة ، من الإنسان ، فهو الكامل الذي لا أكمل منه وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ،