المحمدي نذيرا للناس ، أي أن الخاطر الإلهي الداعي إلى التوحيد هو بذاته النور المحمدي يفعل في الكثرة وبالكثرة بإذن الله وأمره.
٥٣ ـ (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (٥٣))
[الفرقان : ٥٣]
الوجود وجودان روحي ومادي ، والوجود الروحي الأساس والأصل وباطن الوجود المادي مثلما أن باطن الأرض تلك الحمم السائلة الخارجة من فوهات البراكين والتي هي أساس تكوين الأرض ، وهذا الوجود هو المسمى في الآية ملح أجاج ، ومعلوم أن البحار هي جميعا أجاج وأنها أساس لمياه الأرض العذبة ، ولو لا البحار ما تشكلت السحب ولا سيقت ولا تساقطت ثلجا ومطرا ، ولما تكونت بالتالي أحواض المياه الجوفية ، ولما تفجرت الينابيع والأنهار ، فالروح أساس الحياة ، وهذا هو حجر الأساس في بناء فلسفة هيغل كلها.
والبرزخ هو العالم الفاصل بين الروح والمادة ، فهو الجسر والطريق من هنا إلى هناك ، ولما كانت المعقولات هي الجسر بين النور والمادة كان البرزخ عالم المعقولات الصرفة المسماة الأسماء الإلهية الحسنى ، وكان آدم ملك هذا العالم باعتبار أن آدم عالم هذه المعقولات ، وعليه فللإنسان الآدمي عالم البرزخ ... نقول الآدمي لأنه لا يصح أن نطلق هذه التسمية إلا على الفريق من الناس الذين علموا الأسماء الإلهية كما علمها من قبل أبوهم آدم ، وهؤلاء هم ممثلو الإنسان الكامل الوارد ذكره في الفلسفة الصوفية.
ولما كان أكثر الناس جاهلين كانوا في حجر محجورين أي مستورين لا يعلمون عن حقيقة عالم البرزخ شيئا ، وسيد علماء البرزخ في الزمن القديم أفلاطون صاحب نظرية المثل الشهيرة الذي كان موحدا دعا الناس إلى الانصراف عن عالم الحس للتفكير في عالم المثل والمعقولات لمعرفة حقيقة هذا العالم.
٥٤ ، ٥٧ ـ (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً (٥٤) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً (٥٥) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧))
[الفرقان : ٥٤ ، ٥٧]
قلنا الماء النفس الكلية ، وقد خلق الله منها البشر ، والنفس الكلية ليست حقيقة الإنسان وباطنه فحسب بل هي حقيقة الوجود كله وباطنه ، قال سبحانه : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨] ، ولقد علم سليمان منطق الطير وفهم لغة النمل لما حذرت نملة أخواتها سليمان وجنوده ، فما من شيء إلا ويسبح بحمده ، ولما كانت