بحبل الله حتى جاء نصر الله والفتح فانتبهوا من النوم كما استيقظ أصحاب الكهف وهم في كهف البدن.
٤٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨))
[الفرقان : ٤٨]
تبعت الآية قوله تعالى في الآية السابقة : (وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً ،) ففي هذا النهار الروحاني المبارك يرسل سبحانه رياح الهداية بشرى للمؤمنين بالوصول إلى عين اليقين ، والله سبحانه يسمي دائما هذا الوصول رحمة ، فرحمته تعالى الدخول في رحمته أي العلم به وتعرفه ، فمن لم يصل إلى الفتح لم يصل إلى الرحمة ، لأن الرحمة توفي الأنا وإلحاقها بالأنا الكبرى الخالصة غير المتعينة ، فالرحمة الخلاص من التعين.
٤٩ ـ (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩))
[الفرقان : ٤٩]
استمرار الحديث عن الرحمة والماء الطهور ، والإحياء يذكر بكتاب الإمام الغزالي الإحياء وهو الكتاب الذي ألفه الامام خاصة للسالكين ، ووصف فيه الطريق إلى الله وكيف تكون ، والبلدة الميتة الإنسان الذي لم يستيقظ ليعرف ربه ، ومتى سقاه الله ماء علمه استيقظ.
٥٠ ـ (وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٥٠))
[الفرقان : ٥٠]
التصريف الماء ، والحقيقة إن كل خاطر يغزو الدماغ هو ماء الله ، ولهذا سبق وأوردنا قول جلال الدين الرومي : الخالق يخلي قلوبهم كل مساء من مئات الآلاف من خواطر الخير والشر ، بينما هو في النهار يملؤها من تلك الخواطر ، ويجعل الأصداف حافلة بالدرر.
فالخواطر إذن إلهية ، ولكن الإنسان في غفلته يظنها إنسانية آنية من صنعه ، وهي لله وبالله ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي البقاء وراء الستر المسدل بين الله والإنسان أو على الأصح بين الله ودماغ الإنسان.
٥١ ، ٥٢ ـ (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١) فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً (٥٢))
[الفرقان : ٥١ ، ٥٢]
قلنا القرية بمثابة البدن ، والنذير بعث خاطر إلهي ، معين هو الخاطر الذي يدعو الإنسان للدخول في الخلوة والاعتكاف إيذانا بقرب حلول ليلة القدر المباركة.
والنذير اسم من أسماء النبي صلىاللهعليهوسلم ، كما سماه سبحانه به في موضع آخر : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الإسراء : ١٠٥] ، والمعنى أن حقيقة النبي المسماة ، المطاع هي باعثة الخواطر ، ولهذا سميت تلك الحقيقة النور المحمدي ، ولما كان النور فعالا كان النور