الناس ، فموسى هنا الإنسان الكامل والعارف الذي يمثل الجمع كما قال في إبراهيم عليهالسلام : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) [النّحل : ١٢٠].
أما الدمار الذي أصاب القوم المكذبين بآيات الله فهو ناجم عن الكشف المبين أن الكفار والمنافقين المكذبين هم بدورهم تعينات أسماء إلهية أيضا مثل الضار والمذل والخافض والمنتقم ، فالدمار كون هؤلاء موجودين وغير موجودين أشباحا وإن ظهروا بشرا أقوياء فاعلين ، وما ظهروا وما فعلوا إلا بإذنه لا إله إلا هو ، قال سبحانه : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [النّحل : الآية ٩].
٣٦ ، ٣٩ ـ (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً (٣٦) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧) وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩))
[الفرقان : ٣٦ ، ٣٩]
الكشف يري أن الوجود كله وحدة جامعة ، وأن الناس على كثرتهم هم وحدة أيضا ينضوون تحت لواء الواحد ، والغرق هو غرق الكثرة في بحر الكلي ، وما رفعنا نحن قواعد هذا التفسير إلا على أساس هذا الكلي الذي لا يعود الناس فيه إلا صورا من صوره ، فلا تقل زيد وعمرو بل ولا تقل موسى وعيسى وهارون ، بل قل لله الوجهان الظاهر والباطن ، فالظاهر الخلق والباطن الحق.
٤٠ ، ٤١ ـ (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (٤٠) وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً (٤١))
[الفرقان : ٤٠ ، ٤١]
مطر السوء تساقط الأفكار على الإنسان من سماء الغيب ، فالإنسان يحيا تحت هذه السحابة العظيمة التي هي الفكر .. ولما كان الفكر مضلة يذهب شمالا ويذهب يمينا ، كما أوضح ذلك الفيلسوف كانط ، كان الفكر أحيانا مطر سوء ، حتى إذا آذن الله بالفتح ارتفع الستار ، فإذا الفكر من إشعاع الروح الكلي ، وإذا مطر السوء يصبح مطر رحمة ، ويدخل المكاشف بعده في الصالحين.
٤٢ ، ٤٣ ـ (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً (٤٢) أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (٤٣))
[الفرقان : ٤٢ ، ٤٣]