ذلك لأن أعداء النبي أثاروه وفتقوا ما لديه من قوى ، وجعلوا ما لديه بالقوة بالفعل ، إذ لو لا التحريك ما تحرك ساكن ، وكل مخلوق ساكن ما لم يحرك بدواع ظاهرة وباطنة.
٣٢ ـ (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً (٣٢))
[الفرقان : ٣٢]
نزل القرآن منجما أي مفرقا ، وكانت آياته تنزل جوابا عن سؤال أو بتّ موضوع أو حكما في قضية أو شرحا لمواقف اجتماعية وسياسية وعسكرية وتربوية ، فالقرآن كان كتابا سماويا وواقعيا معا ، ولهذا كتب لهذا الكتاب الخلود لأن معالجته للقضايا الإنسانية ظلت متجددة مع الأيام ويحتاجها الإنسان على الدوام.
وقالت الكافرون لو لا نزل القرآن جملة واحدة ، وهذا طلب يدل على غباء الكفر الذي يفصل الله عن الإنسان ويجعله في فلك بعيد ، هذا في حال اعترافه به خالقا كما قال سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [العنكبوت : ٦١] ، وهذا معنى الكفر لغة ، إذ معنى كفر ستر .. ولكن الله هو الحياة ، وهو مع الإنسان لا يتركه هنيهة ، وليس الله كما قال نيتشه : كان الله يحدثنا ثم سكت ، فالله لم يسكت ، ولهذا كانت العلماء ورثة الأنبياء ولهذا ظلت العلماء لسان الله وترجمان وحيه الأمين.
والقرآن هو مجموعة المعقولات بعد أن فتقت ونفخت ثم وقفت أمام سور الغيب محاولة استشفاف غيهب المجهول فكان القرآن هو الجواب ، ولما كان كل معقول نتيجة موقف حي ، وقضية ما توجب أن يتنزل القرآن منجما لا جملة واحدة. فالإنسان يسأل والله يجيب كاشفا الستر عن الحقيقة العلمية الأزلية.
٣٣ ، ٣٤ ـ (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٣) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً (٣٤))
[الفرقان : ٣٣ ، ٣٤]
الحشر على الوجه البعث على الصفة ، وكل إنسان يولد ويحيا ويموت ويحشر على صفته ، فصفته طابعه الذي به يطبع وهو جنين في بطن أمه ، فللجنة أهلها وللنار أهلها أزلا ولا تبديل لكلمات الله.
٣٥ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً (٣٥))
[الفرقان : ٣٥]
قال ابن عربي : روح القدس أميري والفكر سميري ، ونقول وزيري ، وبين الأمير والوزير يكون الإنسان الذي هو لا أمير ولا وزير بل مجرد واسطة لبث الحقيقة وكشفها ، وعلى هذا يكون موسى هنا الواسطة المتعينة للمطلق اللا متعين ليذهب هو وأخوه هارون أي فكره إلى