ذات عبد مطلق في عبودته لا يشوبها ربوبية بوجه من الوجوه ، وذات عبد مطلق في عبوديته لا يشوبها ربوبية بوجه من الوجوه ، وذات حق مطلق لا يشوبها عبودية بوجه من الوجوه.
٢٢ ، ٢٣ ـ (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣))
[الفرقان : ٢٢ ، ٢٣]
الكافرون لا يرون الملائكة لأنهم لا يرون المعقولات ، وكيف يرونها وهم يحسبونها نتاج تفكير وتجريد محسوس وليس لها وجود بذاتها؟
أما المؤمنون فهم يؤمنون بوجود الملائكة ، وهذا ركن من أركان الإسلام وإيمانهم به إيمانهم بالضمير الموجود في ذاتهم يرشدهم في ظلمات البر والبحر .. حتى إذا جاء اليقين ذو الفتح المبين تحول الإيمان بالملائكة إلى رؤيتهم عيانا ، وهذا هو جوهر الكشف والذوق الذي يعيشه العارفون ، وهذا هو عالم البرزخ الفاصل بين عالمي الروح والشهادة والمسمى المثل الأفلاطونية والأعيان الثابتة ، والذي كان الفاصل الوحيد بين فلسفتي أفلاطون وأرسطو عند ما قال الأول بوجود عالم المثل ، وقال الثاني لا وجود لهذا العالم إلا بوجود العالم الثاني ، فالمادة والصورة متلاحمتان مترابطتان ، ولما كان إبن رشد هو شارح أرسطو الأكبر ، ولما لقي ابن عربي وسأله عما إذا ما قاله ـ أي ابن رشد ـ هو ما رآه ابن عربي في كشفه قال ابن عربي نعم ولا ، أي وافق ابن عربي أرسطو وابن رشد في شيء وخالفهما في شيء ، وبين نعم ولا تطير الأرواح أي المعقولات المجردة نفسها أي الملائكة الوارد ذكرهم في الآية ، فالكافرون محجوبون إذن بالأنا ، والأنا الجزئية تقلبها الملائكة ذات اليمين وذات الشمال ، وهم جند الله ، فهم القبضة التي تقلب القلب ، لهذا جاء في الآية أن الكافرين يوم يرون الملائكة يقولون حجرا محجورا ، أي يستفيدون من الملائكة أو على الأصح من وجود الملائكة الذين هم المعقولات المتصرفة في الدماغ نفسه ... فإذا انكشف الأمر فلا أنية ولا فكر ولا حواس باطنة ولا حواس ظاهرة ولا يبقى من الإنسان إلا الهيكل البدني الذي هو مجال فعل القبضة ، وهذا معنى الآية الثالثة والعشرين ، والتي ذكر ما فيها سبحانه في موضع آخر فقال : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) [مريم : ٤٠].
٢٤ ـ (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤))
[الفرقان : ٢٤]
المقيل الاستراحة من الجهادين الأصغر والأكبر في استراحة المعقولات بعد أن تفتحت أزهارها ، وآتت أكلها الدانية التطوف ، فصار الجني حلالا مثلما جنت مريم من النخلة رطبا جنيا.