سورة البروج
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ١١ ـ (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١))
[البروج : ١ ، ١١]
يقسم الحق بالسماء ذات البروج ، والسماء إشارة إلى الفكر وآلاته كالدماغ ، والبروج الحواس ظاهرة وباطنة بالإضافة إلى الحدس والإلهام ، فتم استواء الرحمن على عرش قلب الإنسان ، والاستواء تجلي الحق بذاته لذاته ، فلقد أوردنا في كتابنا الإنسان الكامل قول الصوفية إن الحق اقتطع من ذاته قطعة ، ليست به متصلة ، لتكون عند القطع منفصلة ، فالأمر بين عين وعيان ، بطون وظهور ، إطلاق وتقيد ، وقالت الصوفية يرى الإنسان في المرآة من وجهه ما لا يراه منه بلا مرآة ، فالله خلق الوجود عموما ، والإنسان خصوصا ، ليتمرأى فيهما ، ففي وجه الإنسان ، أي حقيقته وصفته ، تمرأى الله عزوجل ، قال ابن عربى : الشيء لا يظهر في نفسه لنفسه ، فلا بد من عين يظهر فيها ، فيشهد نفسه في المظهر ، فيسمى مشهودا وشاهدا.
وذكرنا في كتابنا الإنسان الكبير ما يحدث في المرآة عند ما يتمرأى الحق فيها فقلنا إن الوجود الإنساني ، الذي هو الصورة الإلهية في المرآة ، هو وجود شبحي تماما مثلما يكون وجود الصورة في المرآة ، وإن كان الإنسان يحس ويعي ويشعر بذاته وبوجوده وبأنه حر يفعل ما يشاء ، فالإطلاق حدد الإطار ، وأطلق الأنوار ، فكانت الصورة المقيدة ، وشرحنا كيف يكون الله العلم المطلق دون حصر ، وكيف يكون له أيضا العلم المقيد بالحواس والتطورات ، وقلنا إن الحق يستفيد علما من العلم المقيد عن طريق أسماء الصفات التي يمكن اعتبارها أسماء انفعالية لاستفادتها المعلومات من العيان ، وكون الحق بواسطتها السميع البصير ، ففي مجال العيان فالله هو الشاهد ، مشاهد لما يقع ، وما يقع ما يقع إلا بإذنه ، وبواسطة علمه وإرادته وقدرته وأسمائه وصفاته وقواه ، حتى إذا آن أوان التجلي تجلى الحق بذاته لذاته في قلب عبد من عباده ، فكانت ليلة القدر ، ونزل قرآن العلم في ليلة القدر ، فرأى العبد ما رأى ، ما كذب الفؤاد ما رأى ، وما زاغ البصر وما طغى ، لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، وما رآه فناءه