بذاته ، وقيامه بالحق ، وكونه هو مرآة الحق ، وهذه المرآة الجامعة هي الحقيقة المحمدية التي تحدثنا عنها مرارا ، فكان محمد صورة ربه الكلية ، وما رآه محمد في ليلة القدر فناءه كنفس جزئية ، وتحققه بالإنسان النوعي الشمولي ، المتجلي الحق به وله فاستتم للبدر نوره الذي استمده من ضياء شمس الذات فكان بدرا عكس كامل الأنوار ، فليس في الوجود إلا الحق والمرآة ، أي الله والحقيقة المحمدية ، وبعد إتمام هذه الدورة الوجودية يستوي الحق مشهودا ، مثلما كان قد استوى شاهدا ، فهو الشاهد والمشهود ، وهذه هي حقيقة القيامة ، يوم يقوم الحق بذاته لذاته ، فلا وجود إلا للحي القيوم وارث كل شيء.
١٢ ، ١٣ ـ (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣))
[البروج : ١٢ ، ١٣]
البطش الإلهي نفاذ حكمه وقضائه في السموات والأرض ، ونفاذه يكون عن طريق الفكر ، ولما كان الفكر متناقضا ، ونجوى للخير والشر ، كان في البطش الإلهي لطف لا يعيه إلا العالمون ، وممن وعاه أبو يزيد البسطامي القائل بطشي أشد من بطش الله ، وذلك نظرا إلى كون الإنسان تمظهر صفة البطش من جانب واحد ، وهو جانب الشدة فقط كما يعني مدلول البطش نفسه.
والله يبدئ ويعيد ، والبدء طبع الإنسان بالصفة ، فللصفة المحل الأول وللإنسان المحل الثاني ، وكلاهما محلان لله وتعينان ، فتعين الصفة عقلي ، وتعين الإنسان هيكلي جسدي ، فإذا جاء أجل الإنسان جاء أجل الصفة أيضا كما قال صلىاللهعليهوسلم في معاذ بن جبل لما قبض : (هكذا يقبض العلم) ، فلو لم يخلق الله الأنبياء والأولياء الوراثين ما كان لعلمه أن يظهر ، ولبقي كنزا مخفيا.
أما الإعادة فعودة إلى زرع الصفة في هيكل جديد ، إذ قلنا إن المعقولات ثابتة خالدة خلود الله عزوجل ، وقلنا إنها موجودة به لا بذاتها ، فهي ليست هو ، وهي ليست هي ، وهي به ، وهو بذاته يبدئ ويعيد في مظهر بعد مظهر.
١٤ ، ٢٢ ـ (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))
[البروج : ١٤ ، ٢٢]
سمى الله نفسه الودود ، والود شدة المحبة ورسوخها ، وهذه صفة الرحمن الذي على العرش استوى بالحب ، ولو لا الحب ما خلق الوجود ولا استوى ، قال ابن عربي : الود ثبات الحب ، أو العشق ، أو الهوى ، أيه حالة كانت من أحوال هذه الصفة ، فإذا ثبت صاحبها