وفي السور ذات الفواتح المتعددة الحروف نجد أن الحروف عند ما نجمعها ليس فقط في السورة نفسها ، وإنما في السور المختلفة التي يوجد فيها نفس الحرف ، نجد مجموع هذه الحروف من مكررات الرقم ١٩ ، فلنأخذ مثلا حرف الألف ، نجده في سبع عشرة سورة ، فإذا جمعنا هذا الحرف في ١٧ سورة وجدنا مجموعه من مكررات الرقم ١٩ ، وكذلك فإن حرف اللام نجده في ١٣ سورة ، ومجموعه في السور جميعها من مكررات ١٩ ، ونلاحظ في سورة (طه) أن مجموع حرف الطاء مجموع عدد حروف الهاء ويبلغ ٣٤٢ حرفا ، وهذا الرقم يساوي حاصل ضرب ١٩* ٨ ويربط ابن عربي بين الحروف والفعل الإلهي المباشر في الوجود فيقول : تدبر يا أخي كلام الله ، وهذا القرآن العزيز ، وتفاصيل آياته وسوره ، وهو أحدي الكلام مع هذا التعداد ، وهو التوراة والفرقان والإنجيل والزبور والصحف ، فما الذي عدد الواحد ، أو وحد العدد؟ انظر كيف هو الأمر ، فإذا علمته علمت كلمة الحضرة ، وإذا علمت كلمة الحضرة علمت اختصاصها من الكلمات بكلمة كن لكل شيء مع اختلاف ما ظهر ، ومن الحروف الظاهرة بالكاف والنون ، ومن الحروف الباطنة بالواو ، وكيف حكم العارض على الثابت بمساعدته عليه فرده غيبا بعد ما كان شهادة ، فإن السكون هو الحاكم من النون ، وهو عرض ، لأن الأمر الإلهي عرض له فسكنه ، فوجد سكون الواو ، فاستعان عليها بها ، كما يستعين العبد بربه على ربه ، فلما اجتمع ساكنان ، وأرادت النون الاتصال بالكاف لسرعة نفوذ الأمر حتى يكون أقرب من لمح بالبصر كما أخبر ، نزلت الواو من الوسط ، فباشرت الكاف النون ، فلو بقيت الواو لكان في الأمر بطء ، فإن الواو لا بد أن تكون واو علة ، فيكون الكون عن علتين الواو والأمر الإلهي ، وهو لا شريك له ، وإذا جاز أن يبطئ المأمور عن التكوين زمانا واحدا وهو قدر ظهور الواو ، ولو بقيت ولا تحذف ، لجاز أن يبقى المأمور أكثر من ذلك ، فيكون أمر الله قاصرا ، فلا تنفذ إرادته ، وهو نافذ الإرادة ، فحذف الواو من كلمة الحضرة لا بد منه ، والسرعة لا بد منها ، فظهور الكون عن كلمة الحضرة لا بد منه ، فظهر الكون ، فظهرت الواو في الكون لتدل أنها كانت في كن ، وإنما زالت لأمر عارض ، فعملت في الغيب ، فظهرت في الكون لما ظهر الكون بصورة كن قبل حذف الواو ليدل على أن الواو لم تعدم ، وإنما غابت لحكمة ما ذكرناه ، فليس الكون بزائد على كن بواوها الغيبية ، فظهر الكون على صورة كن ، وكن أمره ، وأمره كلامه ، وكلامه علمه ، وعلمه ذاته ، فظهر العالم على صورته ، فخلق آدم على صورته ، فقبل الأسماء الإلهية ، وقد بينا ما فيه الكفاية للعاقل في كلمة الحضرة والله يضرب لعباده الأمثال ، انتهى كلام ابن عربي.