وقال الشهرزوري : ليس مراده أن المبادئ في عدد ، وأن العدد جوهر قائم بذاته ، وهو مبدأ للموجودات ، بل مراده أن في عالم العقل ذوات مجردة هي أينات محضة قائمة لا في أين ، وهي عدديات أي معدودات ، لأنه يصدق على البارئ أنه أول ، وثانيه العقل الأول ، وهكذا إلى آخر المعادلات.
٣٠ ، ٣١ ـ (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١))
[المدثر : ٣٠ ، ٣١]
قليل من العلماء من طرق موضوع كون أصحاب جهنم ملائكة ، إذ كيف يكون الملاك ملاكا ويكون في جهنم ، وكيف يكون نورانيا وجهنم نار ، وكيف تمارس الملائكة الفعل في النار الموقدة؟
والحقيقة تذكرنا بالإشارة التي رآها موسى ، وهي نار ونودي من قبلها فلما جاءها سمع قوله تعالى : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) [طه : ١٢] ، فالله ظهر عند النار التي ظهرت في الوادي المقدس الذي هو إشارة إلى النفس ، فالنار هنا عالم المادة والنار نفسها من العناصر الأربعة المكونة لعالم الطبائع ، ولنتذكر أن الشمس ليست إلا نيرانا تشتعل وتنطلق موجات نارية وحرارية.
والفاعل في هذه النار هم الملائكة النورانيون ، وفي هذا عودة إلى الحديث عن العالم الحسي وما يتكون منه ويتألف ، فالشمس وهي نار أصلها غازات تتحول بالتوليف وبفعل الحرارة العالية من هليوم إلى هيدروجين مع إطلاق تلك الطاقة الهائلة ، وأصل الغازات السديم الذري الأول ، وأصل السديم طاقة لطيفة التفت على نفسها ، وتحركت ، فكونت الذرات ، فالكون المادي طاقة ومادة ، أي روح ومادة ، والطاقة نفسها تتحول إلى حرارة ونور ، فعند التقصي العلمي يتبين أن النار نور ، وأن النور عقل صرف ، وأن العقل نور لطيف سميناه النور المعنوي ، فالدراسات الحديثة قربت ما بين العالمين الحسي والمعنوي ، المادي والروحي ، وقالت إن العالم أصله نور.
وعلى هذا فلا عجب في أن يكون أصحاب جهنم ملائكة نورانيين ، إذ النور هو الفاعل ، وهو الأصل ، وهو المحرك ، ولنتذكر أن الكهرباء طاقة ساكنة ميتة ما لم تحرك ، فإذا تحركت فلا حد لقوتها ومداها ، حتى قيل إن العالم كله مؤلف من الموجات الكهربائية.
أما تفسير كونه سبحانه المضل الهادي ، وأن له جنودا ، فله علاقة بالعدد تسعة عشر ، يقول