المؤمنون مستندون إلى خلفية أساسية من مداميك المعقولات والأنوار ، أما الملحدون فإلى أي مدماك يستندون؟ يمينا أن الملحد إنسان أدلي في بئر بحبل ، والحبل تقرضه جرذان ، فهو ضحية الشك والخوف والقلق والهواجس يتخبط في متاهات الحياة تخبط الأعمى بل هو أضل سبيلا ، والحق خاطب الملحدين فأفحمهم ، فمن لم يكن الله إلهه فإلهه هواه وأصنام من الصور الظاهرة والباطنة لا يحصيها عدد ، هو لها ضحية.
٤٢ ، ٤٧ ـ (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧))
[القلم : ٤٢ ، ٤٧]
الكشف عن الساق كشف الحقيقة ، وهذا الكشف عظيم ، وهو كشفان كشف أهل الحقيقة كما قال سبحانه مخاطبا نبيه صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)) [المزمل : ٥] ، وقوله : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) [ق : ٢٢] ، وكشف أهل الشرك والنفاق الذين سماهم الله مجرمين ، وهؤلاء يؤخذون من باطنهم ولا يشعرون ، وأخذهم مكر إلهي كنا قد تحدثنا عنه ، وفحواه أن الله يمكر بالمجرمين من خلال تفكيرهم نفسه ، فيضلهم على علم ، وييسرهم للعسرى ، وهم لا يعلمون ، فهم في مضلة ، يهوون في جهنم أبدا ، فالمجرمون لا يستطيعون السجود ، لأن السجود يتطلب العلم والمعرفة ، فإذا كان الإنسان جاهلا فكيف يسجد؟ ومع هذا فالصوفية يقولون : ليس في الوجود من مخلوق إلا وهو ساجد باعتبار الخضوع للحقيقة القاهرة فوق كل موجود ، والآخذة بناصية كل دابة ، فلا مفر من السجود لله الذي هو رب العالمين ، لكن شتان بين من يسجد لله عن إيمان وعلم ، ومن يسجد له كرها وجهلا منه بحقيقة السجود ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (١٨٢) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف : ١٨٢ ، ١٨٣].
٤٨ ، ٥٢ ـ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))
[القلم : ٤٨ ، ٥٢]
الحكم حكم الجبروت للملكوت ، فلا خروج على هذا الحكم القاهر ، وأمر الحق نبيه بالصبر على هذا الحكم حتى يأتيه اليقين ، ويجيء النصر الإلهي والفتح المبين ـ فيعلم ما علمه الإمام الغزالي بعد الكشف فقال : لما طلعت شمس الوصول على مصابيح الأصول ، تبين