وتعد الأنبياء والأولياء مثلا للأخلاق الإلهية التي تصطفي الإنسان وتعرج به في سماء المعقولات حتى يبلغ الأفق الأسنى ، وهذه النماذج للصورة الإنسانية المثلى هي مرآة الحق تظهر صورته التي سماها أفلاطون الخير : فقال الخير الأول هو الله ، والأعلى علة الأدنى ، والخير الأول لم يزل موجودا ، والخير الثاني هو العقل ، والخير الثالث هو النفس ، وهكذا حتى تنتهي إلى الأجرام ، والباري تعالى هو الخير الذي بالفعل.
١٠ ، ١٦ ـ (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦))
[القلم : ١٠ ، ١٦]
هذا وصف دعي في قريش ، هو الوليد بن المغيرة ، ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة ، ويعد الوصف من أبلغ ما قيل في رجل سيئ الخلق ، والوصف جامع ، يدخل فيه الجمع ، فيكون وصف الصورة السيئة الجامعة ، وقال الإمام علي : إذا رأيت من أخيك خلة حسنة فانتظر أخواتها ، والصورة الجميلة كانت للنبي صلىاللهعليهوسلم كما سبق وصفها ، والصورة الذميمة كما وردت هاهنا ، وكم بين الجمال والبشاعة ، والخير والشر ، والثرى والثريا.
فالمستمع لإلهام فجور النفس متصف بكل صفة سيئة ، وهذه شيمة الكفار والمنافقين ، ولهذا قال عمر رضي الله عنه : لست بخب والخب لا يخدعني ، واشتهر عمر بمعرفة سبل الكفار والمنافقين ، ومن قبلهم سبل الشيطان ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم في عمر رضي الله عنه : (إذا رآه الشيطان في فج أسرع إلى فج آخر) ، وميزة الأنبياء والأولياء علمهم بأصحاب الخلال السيئة أي أصحاب القلوب المريضة ، فرجال الله ذوو فراسة ونور من ربهم يرون من الناس ما لا يرونه هم أنفسهم من أنفسهم ، وقال ابن عربي : الأديب هو الجامع لمكارم الأخلاق والعليم بسفسافها ، لا يتصف بها ، بل هو جامع لمراتب العلوم محمودها ومذمومها ، لأنه ما من شيء إلا والعلم به أولى من الجهل به عند كل عاقل.
وثمة نقطة أخرى في الموضوع ، فلقد جاء في الآيات أن الله سيسم الرجل الطالح على الخرطوم ، أي توعده بأن يجعل له علامة في أنفه ، ولقد حدث هذا ، إذ خطم أنف الوليد بن المغيرة بالسيف يوم بدر ، وما حدث دليل على أن الله قادر على أن يفعل ما يشاء كما قال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] ، فالمشيئة تشمل ما كان ، وما هو كائن ، وما سيكون ، وفي مجال المصيبة قال سبحانه إنها مكتوبة في اللوح المحفوظ ، فأحداث المستقبل مسطورة إذن أزلا ، ومن هنا كان مقام التوكل الشهير الذي يوقن العبد فيه