سورة القلم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ٢ ـ (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢))
[القلم : ١ ، ٢]
النون ما يسطرون ، وما تسطر ملائكة المعقولات إلا المعقولات نفسها فليس في الوجود العياني إلا نتائج هذا المسطور أزلا بأمر الله ، فهذه العاقلات الكليات تخرج ما في بطنان الهوية الصرفة من علوم وآيات صورة بعد صورة ، وآية فآية ، وليس في العالم الخارجي إلا صور مرئية تكشف عن صور غير مرئية هي البواطن الكليات للجزئيات الظاهرات.
٣ ـ (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣))
[القلم : ٣]
إذا ظللت العبد نفحة إلهية لم يمسه الجنون الذي هو آفة عقلية ، فالنفحة طور فوق طور العقل ، صحيح إن إشراقها يكون على العقل ، ويكون العقل محلا لها ولسانا ، ولكنها هي بحد ذاتها أعمق وجودا من العقل ، إذ هي الوجود الحقيقي الروحي الأصيل ، بينما الوجود العقلي وجود مادي مضاف قابل للزيادة والنقصان وعرضة للإصابة بالأمراض كما هو الحال عند المجانين.
ولقد رمت الكفار النبي صلىاللهعليهوسلم بالجنون لما قال إنه رأى آيات ربه ، كما شككت المنافقون في حديثه عن الإسراء والمعراج وما رأى فيهما من الأماكن الأرضية والسموات القصية وأنبياء هذه السموات ، والمشكلة أن أصحاب العقول لا يصدقون بوجود هذا الأفق العالي الذي هو فوق أفق العقل العادي ولا يؤمنون بوجود الوحي الذي يعلم الإنسان ما لم يكن يعلم ، لكن المؤمنين مؤمنون بأن الله القادر قادر على أن يزيد الإنسان المجتبى علما إلى علمه ، ويعلمه البيان الذي هو العلم اللدني.
٤ ، ٩ ـ (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩))
[القلم : ٤ ، ٩]
الخلق النبوي التخلق بالصفات الإلهية البديلة عن الصفات الإنسانية العرضة للخير والشر والصواب والغلط ، فالحق الكامل خلع على عبده الصالح خلعه الكاملات من الصفات العلويات التي لا يوجد خلق أكمل منها ولا أعلى ، ولهذا كان خلق النبي عظيما ، وما عظم خلقه إلا لأن ربه زينه بخلق من لدنه ، وكان خلق الله عظيما.