١٥ ، ١٦ ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦))
[الملك : ١٥ ، ١٦]
الإشارة إلى ما في أرض المادة من قوى وإمكانات حملت الإنسان وسخرت له الحيوان والنبات ليحقق القصد ، وللمادة قوانين تعتمدها العلماء في أبحاثهم ، وكنا عالجنا هذه المسألة مطولا في كتابنا الإنسان الكبير ، فالعلوم قديمة ومحدثة تبحث عن قوانين المادة والمعادلات العلمية بدآ من الأجرام في الفضاء وانتهاء بأصغر الجراثيم ، وكل بحث يقوم على أسس تكتشف وتبرمج وتستخلص منها المعادلات ، وكل علم من علوم المادة ما بلغ ما بلغ من شأو إلا بوضع اللبنة فوق اللبنة في بناء علمه إلا بفضل وضع اللبنات على أرضية من القوانين والمعادلات التي لولاها ما كانت علوم الفيزياء والكيمياء والطب والحيوان والنبات والجيولوجيا والفضاء.
وفي عودة إلى السؤال من وضع للمادة قوانينها نجد أن الله هو المبدع المصور الخلاق الوهاب إن كنا مؤمنين ، أما الملحدون فلقد قلنا إنهم لا يجدون إلا الطبيعة نفسها ، معتمدا وأساسا يقيمون عليها بنيان علومهم ، حتى وإن أيقنوا بأن الطبيعة لا عاقلة ، وهؤلاء من خاطب قائلا أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ، فلو أن صاحب القوانين المادية شاء أن يبدل هذه القوانين ، أو أن يبطل مفعولها ، فماذا يكون موقف العلماء عندئذ ، وما ذا يحصل لعلومهم بعد ذلك ، وكيف يكون علم الفيزياء علما إن وجدت العلماء أن قوانينه ليست قوانين ، أي ليست معادلات ثابتة يعتمدونها في أبحاثهم ، وما ذا يقع لعلم الطب إن اكتشفت الأطباء أن الجراثيم متبدلة ، وأن فعلها لا يثبت على حال ... بل ما ذا يفعل الإنسان لو وقع انفجار ما في نظام التناسل الحيواني كتناسل الذباب مثلا فصار يتوالد بنسبة تبلغ مئات المرات أو ألوف المرات من نسبته الطبيعية ، وما ذا يحدث لو أن الجرذ القطبي اللاموس الذي يتوالد بالملايين ، ثم يزحف حتى إذا وصل البحر انتحر هناك بالملايين ، ماذا يحدث لو أن هذا الحيوان لم ينتحر ، وقد قيل إنه لو لم ينتحر لغطت أعداده الأرض كلها بطبقة تبلغ سماكتها الأمتار من أعداده.
فالإنسان لا يحيا إلا بالرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء علما ، وأعطت كل شيء خلقه ، وقدرت المقادير موازين محددة لو اختلت لفسدت الحياة واستحال العيش على الأرض.
١٧ ، ١٨ ـ (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨))
[الملك : ١٧ ، ١٨]