إلى سماء المعاني ، وكانوا المشائين على دروب الحقيقة ، كل صاحب رسالة له منها نصيب ، حتى وإن كان التناقض شعارا مرفوعا على هذه الدروب ، وهذا فحوى كتاب هيغل تاريخ الفلسفة الذي بين فيه أن الفلاسفة ، وإن اختلفوا ، قد شاركوا في الكشف عن ماهية الوجود ، وأن هذا التناقض يتمم بعضه بعضا ، والله القائل : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] ، والقائل : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] ، والقائل : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [الشّورى : ٨] ، والقائل : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [النّحل : ٩].
٥ ـ (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥))
[الملك : ٥]
المصابيح الأسماء والصفات ، وبينا أن لكل إنسان اسمه وصفته ، والشياطين الخواطر والوسوسة ، والإنسان مسرح لشتى الخواطر شقيها وسعيدها على الدوام ، فالشجاع يتردد قبل أن يقدم على فعل يكشف عن اتصافه بالشجاعة ، وكذلك الحلم والكرم ، والأنفس جبلت على الشح إلا من وقاه الله شح نفسه ، فالأسماء زينة سماء الإنسان ، ولكل إنسان مصباحه كما قال سبحانه : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤)) [الطّارق : ٤] ، وهذه المصابيح تهدي الإنسان سواء السبيل والصراط المستقيم الذي ما من دابة إلا سائرة عليه ، سنة الله في خلقه ، ولا تجد لسنة الله تبديلا ، ولا تبديل لكلمات الله.
٦ ، ١٤ ـ (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤))
[الملك : ٦ ، ١٤]
أصحاب النار المبعدون المحجوبون الذين هم ضحايا وسوسة الشياطين وخواطر السوء ، إذا ما هاجمتهم كانوا أمامها ضعفاء لا حول لهم ولا طول لا قبل لهم على مواجهة هذا الطوفان الذي أغرق قوم نوح إلا نوحا وأزواجا من المعقولات الثابتات الخارجات عن نطاق الوسوسة ، فمن لم يجره ربه ولم ينتبه فهو هالك في هذا الطوفان الذي يأخذ الخلق أجمعين.