سورة الملك
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ٤ ـ (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤))
[الملك : ١ ، ٤]
الملك إشارة إلى الإنسان أفضل خلق الله ، والمخلوق على صورة الرحمن ، والسموات السبع إشارة إلى ما يظلل الإنسان من قبل الرحمن ، ولتكون هذه الظلال الإلهية وسيلة لاستوائه سبحانه على عرش الرحمانية والربوبية ، وهذا العرش قلب الإنسان الذي خص بالتكريم ، والسبع إشارة إلى عالم الإنسان الجواني ، النوراني ، العقلاني ، المحرك للعالم البراني ، وقوى هذا العالم الخيال والذاكرة والحدس والفكر والعاقلتين النظرية والعملية والوهم.
وقلنا في كتابنا فتح الوجود إن السموات السبع والأرضين السبع يسعها قلب الإنسان الذي وسع الحق سبحانه ، ولهذا قال ابن عربي :
وتحسب أنك جرم صغير |
|
وفيك انطوى العالم الأكبر |
وأوردنا قول ابن عربي في الخيال ودوره في عالم الإنسان ، وكيف أنه ضربان ، خيال متصل وخيال منفصل ، وإن المتصل ما اتصل بالإنسان ، وكان حاصل تحصيل انطباعات صور العالم الخارجي ، وقيل إن مركز هذا الخيال حسي في مقدمة الدماغ ، فهذا الخيال حسي يولد مع الإنسان ويموت بموته ، وهو سميره وخليله وخادمه في رحلة الحياة ، وهو ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات ، فالفكر والخيال توأمان لا يفترقان ، وإذا مرض الجسم مرض الخيال ، ويقال لهذا المرض الهذيان ، أما الخيال المنفصل فهو حضرة وجودية صحيحة ، وهو روح جبريل أستاذ علم الباطن ، فهو الذي علم الإنسان علم القرآن وعلم البيان ، وعلم تأويل الأحاديث وتعبير الأحلام ، والله خلق الإنسان وجعل له العالم الحسي أرضا ليستنبط صور المعاني من المباني ، حتى إذا بلغ الإنسان أشده آتاه ربه الحكمة ، وعلمه عن طريق الصور المحصلة نفسها علم الغيب حيث لا حضور إلا للنور ، ولا وجود إلا للنور ، والنور هوية محضة صرفة جندها الصور والمعاني.
وإذا انتقلنا إلى سماء الذاكرة وجدنا الأعاجيب ، وفي كتابنا الإنسان الكامل فصلنا الكلام