وعيانا ، فالحب طريق إلى الفناء ، والفناء سبيل الكشف ، والكشف سبيل المعرفة الذوقية الوجدانية المعانية للمطلق عيانا حدسيا تقصر عنه المعرفة الحقيقية.
وقال ابن عربي : أثر الحب في المخلوقين التلاشي عند استحكامه ، لأنه يقبل التلاشي ، فلهذا يتنوع العالم في الصور فيكون في صورة ، فإذا أفرط فيها الحب من حيث لا يعلم ، وحصل التجلي من حيث لا يظهر تلاشت الصورة ، وظهرت في العين صورة أخرى ، ولا يزال الأمر كذلك دائما لا ينقطع ، وقال : محب الله لا ينكر على محب حب من أحب ، فإنه لا يرى محبا إلا الله في مظهر ما ، ومن ليس به هذا الحب الإلهي فهو ينكر على من يحب ، وقال : من أحب العالم لجماله فإنما أحب الله ، فإنه ليس للحق مجلى إلا العالم ، وقال : ما فني وهام في حبه بكليته إلا في ربه ، أو فيمن كان مجلى ربه ، ومن هنا حبب لرسول الله النساء ، ومن عرف قدر النساء وسرهن لم يزهد في حبهن ، بل من كمال العارف حبهن ، فإنه ميراث نبوي وحب إلهي ، وهو تعالى المتجلي في كل وجه ، والمطلوب في كل آية ، والمنظور إليه بكل عين ، والمعبود في كل معبود.
٤ ، ٨ ـ (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨))
[التغابن : ٤ ، ٨]
قوله : (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) يذكر بقوله في سورة القمر : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) [الآية : ٢٤] ، وقول الكافرين : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] ، والإشارة إلى أن الكافرين لا يؤمنون بأن النبي إن هو إلا وحي يوحى ، وهم يتطلعون إلى ما أبعد من البشرية التي جعلها الله مستودعا للألوهية وصورة ومحلا للنجوى والإلهام والوحي ، والحقيقة أن كل إناء بما في ينضح ، وما دام الكافر محجوبا ، وليس في قلبه إلا الريب والشك والظن والوسوسة فالنتيجة أنه لن يؤمن بوجود المؤمن أولا صاحب الأخلاق الفطرية السليمة ، ثم بوجود المحسن الذي بلغ مقام اليقين فرأى الله عيانا في الصور ، ثم رأى الله عينا واحدة هي أم الصور ، ثم رأى الله في الظاهر والباطن والأول والآخر ، وأدرك حقيقة قوله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه أي حقيقة الوجود الإلهية التي لا وجود لغيرها.
٩ ، ١٣ ـ (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ