وإذا بلغ العاشق هذا الأفق فني واصطلم ، ولم يعد يميز العاشق من المعشوق ، ولا الصورة الجميلة ممن تجلى لهذه الصورة وفي هذه الصورة ، وهؤلاء العشاق هم الذين فنوا في الروح الأعلى حيث لا حقيقة ولا جمال ولا وجود إلا لله صاحب الجمال والحب والأنوار.
وأنشد ابن الفارض في التائية :
فكل مليح حسنه من جمالها |
|
معار له بل حسن كل مليحة |
بها قيس لبنى هام بل كل عاشق |
|
كمجنون ليلى أو كثير عزة |
فكل صبا منهم إلى وصف لبسها |
|
بصورة حسن لاح في حسن صورة |
وما ذاك إلا أن بدت بمظاهر |
|
فظنوا سواها وهي فيها تجلت |
بدت باحتجاب واختفت بمظاهر |
|
على صبغ التلوين في كل برزة |
وأنشدت رابعة :
أحبك حبين حب الهوى |
|
وحبا لأنك أهل لذاكا |
فأما الذي هو حب الهوى |
|
فشغلي بذكرك عمن سواكا |
وأما الذي أنت أهل له |
|
فكشفك للحجب حتى أراكا |
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي |
|
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا |
وقال الشيخ أبو سعيد المهيني لما قرئ عليه قوله تعالى يحبهم ويحبونه : كيف يحبهم؟ فإنه ليس يحب إلا نفسه ، على معنى أنه الكل ، وأن ليس في الوجود غيره ، فمن لا يحب إلا نفسه ، وأفعال نفسه ، وتصانيف نفسه ، فلا يجاوز حبه ذاته وتوابع ذاته من حيث هي متعلقة بذاته ، فهو إذا لا يحب إلا نفسه. وما ورد من الألفاظ في حبه لعباده فهو مؤول ، ويرجع معناه إلى كشف الحجاب عن قلبه حتى يراه بقلبه ، وإلى تمكينه إياه من القرب منه وإلى إرادته تلك به في الأزل.
وقالت الصوفية في الحب والمحبوب : إذ يشارف الحب النهايات يؤذن ذلك بتحقق وحدة المحبة والمحب والمحبوب ، وذلك بملاشاة المحب كتعين عدمي في المحبوب الذي هو الوجود المطلق ، فيكون الوجود الحق بذلك محبا باعتبار تعينه وتقييده بصورة المحب ، ويكون هو ذاته محبوبا باعتبار إطلاقه ، وعين المحبة باقية على عدمها.
وقالوا في المحبة المفضية إلى الكشف : إذا تحقق الإنسان بالوجود الواحد الحق ، وخرجت النفس عن دعوى الاستقلال فضلا عن دعوى الوجود ، وانكشف لها شهدت عينها المعدومة بنفسها الموجودة بالوجود الواحد ، عندئذ يصير المحبوب محبا ذوقا ووجدانا وكشفا