ما يقابلها من الطبائع لا بالنسبة إلى الإطلاق والمطلق.
والفاني في الله لا يرى في الكون إلا الجمال وحده ، سبحانه تجلى في الصور الجميلة ولذوي البصائر الجميلة فكان هو الجميل والجمال وحده ، فالتجلي الإلهي هو الذي جعل الجميل جميلا ، وهو الذي أوجد الحب العذري ، والمسمى في الفلسفة الحب الأفلاطوني ، والمسمى في الأدب الحب الرومانسي ، وهو ضرب من الحب تعشق فيه الروح لا الجسد ، الباطن لا الظاهر ، وينصب جسرا فوق الشهوة والغريزة ، فيكون فوقها ، ولا تكون هي هدفه وغايته.
وفي الفلسفة والأدب دارت مناقشات قوية حول هذا الموضوع ، فقالت فلاسفة إن الحب العذري الطاهر غير موجود ، وأن ليس ثمت إلا الغريزة الجنسية أساسا للحب ، وعلى رأس هؤلاء الفلاسفة شوبنهاور الذي قال إن الحب الأفلاطوني وهم وشواذ ، وإن الأصل الحب الجنسي ، كما انتقدت الرومانتيكية في الأدب التي عشقت الوجه الجميل ، ورأت فيه رمزا للجمال المطلق الظاهر في كل ما هو جميل.
والحقيقة أن ما ظهر في هذا الوجود بأسمائه وصوره ظهر في الصور الجميلة ، ويكون تعلق القلب بالصورة الجميلة على أساس من الطهر على قدر تجليه سبحانه لهذه الصورة الجميلة ، وعلى هذا فإن إحساس القلب العاشق بالنور المتجلي هو الذي يجعله يتسامى فوق الغريزة ويعلق هذا النور البادي في الصورة.
وللتجلي الجمالي درجات ، أولها أن تعشق العين الصورة ، كما عشق قيس ليلى ، وكثير عزة ، وجميل بثينة ... ثم ينتقل المحب إلى درجة ثانية من العشق وهي اشتعال أنوار العشق في فؤاده بحيث يتجاوز المحب الصورة الجميلة التي عشقها ليعشق الجمال المطلق ذاته الذي تجلى بأنواره في فؤاده هو حتى أحرقه ، وهذا ما حدث لقيس حين اشتد به هواه ، حتى أصابه المس ، ورغب عن ليلى إلى ليلى الحقيقية فكان إذا سئل عن ليلى يقول : من ليلى؟ أنا ليلى ، وسئل أيضا : أتحب ليلى؟ قال : لا ، قيل : ولم؟ قال : لأن المحبة ذريعة للوصلة ، وقد سقطت الذريعة ، فليلى أنا وأنا ليلى.
واتخذت الصوفية من قيس وليلى مثلا للحب الصوفي الذي يبلغ الذروة من الحب حين يبلغ العاشق الأفق الأسنى المشتعل بالأنوار ، وهذه الدرجة الرفيعة من الحب مشهورة لدى عشاق الصوفية مثل ابن الفارض سلطان العاشقين ، ومثلما فعل ابن عربي في ديوانه ترجمان الأشواق الذي أكد فيه أن حب الصورة وسيلة لرؤية الله في الآفاق وفي النفس ، وأنشد :
وإذا قلت هويت زينبا |
|
أو نظاما أو عنانا فاحكموا |
إنه رمز بديع حسن |
|
تحته ثوب رفيع معلم |