سورة التغابن
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ـ (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١))
[التغابن : ١]
ثمة صلة بين كونه تعالى قادرا وكونه محمودا ، والصلة صلة الأسماء ، فخروج ما في الأسماء من قوى هو الذي يجعل الباطن ظاهرا ، ويجعل العلوم المجملة مفصلة ، ويجعل القلوب المطبوعة بالسعادة تحيا لتفجر طاقاتها المخزونة ، والنتيجة أن يحمد الله أصحاب هذه القلوب ، وتذكر الصلة بقوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩] ، فإذا شاء سبحانه أن يحمد خلق نفسا جزئية ، وطبعها باسمه الحميد ، فعاشت هذه النفس لتحمده ، وما دام له سبحانه الخلق والأمر كان هو الحامد والمحمود.
٢ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢))
[التغابن : ٢]
بينا في كتبنا السابقة ، وفي هذا التفسير كونه سبحانه القاهر وخالق الكفر والإيمان ، ليكون بعضه عونا على إظهار البعض الآخر ، أو كما قال الإمام الغزالي : بعض الخلق شرط للبعض الآخر ، فهو سبحانه خالق الخافض من التعينات ليمارس الاسم الرافع قواه ، وهو خالق المذل ليقوم المعز بعمله ، فتراوح الظلام والنور فرصة لظهور النور ... ثم يتبين أن الظلام والنور مظلة فوقها حقيقة ذاتية حقية لها هذان الوجهان ، قال جلال الدين الرومي : الكفر إذا نسب إلى الخالق فهو حكمة ، وإذا نسب إلينا فهو آفة.
٣ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣))
[التغابن : ٣]
التصوير هنا خاص بالخلقة الظاهرة ، وهي كون الإنسان أحسن المخلوقات سمتا ووجها وجسما ومشية ، فلقد خلقه سبحانه على صورته ، فهذه الصورة الجميلة تظهر جمال الله ، والله جميل يحب الجمال ، وقالت الصوفية البشاعة نسبية ، وقد تكون للاعتبار ، ونفوا أن تكون البشاعة بشاعة في ذاتها ، إذ لكل صورة في الوجود موضعها ، ولصاحبها دوره المتعلق بخلقه. فليس في الوجود إلا الجمال الإلهي ظاهرا في الصور الجميلة وغير الجميلة ، وقالوا : الحسن والقبح ليسا بوصفين ذاتيين للأشياء وإنما هما بحسب الأمزجة والطبائع ، ومعنى ذلك أنها أحكام ذاتية وأحكام نسبية ، أما الشيء في ذاته مطلقا ، ودون نظر إلى ذات تتجه إليه فلا يوصف بقبح أو جمال ، وقالوا أيضا : النجاسة الواقعة في بعض الأشياء إنما هي بالنسبة إلى