والروح علّم النبي صلىاللهعليهوسلم الفصاحة والبلاغة ، علما أن النبي نشأ في البادية ، وتعلم الفصاحة صغيرا على عشيرة مرضعته حليمة ، فلا فرق بين أن يتعلم الإنسان عن طريق العالم الخارجي ، أو عن طريق الباطن ، وبيّنا أن العالم الخارجي هو من بديع صنع الاسم الباطن نفسه ، فالنبي تعلم اللغة من الأعراب صغيرا ، ثم زاده الحق فصاحة إلى فصاحته عند ما شرع ينطق عن الحق الذي هو الوحي.
وبالإضافة إلى الفصاحة والبلاغة النبويتين فلقد آتى الحق نبيه الحكمة وفصل الخطاب ، ومن يؤت الحكمة فلقد أوتي خيرا كثيرا ، كما أنزلت على النبي شريعة كاملة شملت أمور الدنيا والآخرة ، وكان يقول للمسلمين خذوا عني ، خذوا عني ، فأنت ترى فضل الله على نبيه في تعليمه الفصاحة أولا ، والحكمة ثانيا ثم فضله على المسلمين الذين تعلموا القرآن وحفظوا الحديث وطبقوا الشريعة ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، فكان انتشار هذا الدين العظيم والحضارة التي خلدها التاريخ.
٥ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥))
[الجمعة : ٥]
الحديث عن حملة التوراة والإشارة إلى أهل الظاهر ، وعالم الظاهر كله صور استفادوا منها صورا معقولات هي ذخيرة الإنسان في حياته ، ومع هذا فهو لم يستفد من هذه الصور الباطنة العلم النافع والمجدي ، لأنه لم يرد الظاهر إلى الباطن ، ولم يرد الباطن إلى الحق باطن الباطن ، فالمهم تعرف العالم الخارجي أولا عن طريق الصور ، ثم تجريد هذه الصور وتعرّف العالم الباطني كما تفعل الفلاسفة ، ثم الانتقال إلى التأله الذي هو صفة الأنبياء والأولياء الكمل.
٦ ، ٨ ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨))
[الجمعة : ٦ ، ٨]
الموت الحد الفاصل بين هذه الحياة وما بعدها ، ومن لا يؤمن بالآخرة يخاف الموت خوفا عظيما ، لأن الموت في نظره انقطاع عن الحياة وهو بالتالي نقلة إلى العدم ، فكيف يرضى الحي بالعدم؟
أما المؤمن فهو مؤمن بالآخرة وعالمها ، فالموت في نظرة انتقال إلى ذلك العالم الخالد ،