والمهم التوجه من محيط الدائرة إلى مركزها ، وكشف النقاب عن ماهية العالم الظاهري للوصول إلى الحقيقة ، وإلا يفعل الإنسان ، ذلك فهو باق في ظلمات العالم الحسي ومتاهاته ، حيران لا يدري له مقرا ولا غاية ، تتفرق به السبل ، والله ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ، فمن لم يعبد الله ، أي يعرفه ، فهو ضائع ، بل هالك ، والله سبحانه القائل : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الأنعام : ٣٢] ، وقال أيضا : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ) [الجمعة : ١١] ، وقال : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت : ٦٤] ، أي الحياة الحقيقية.
١٢ ، ١٤ ـ (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))
[الصف : ١٢ ، ١٤]
في عودة إلى الحديث عن يوسف عليهالسلام نجد أن أباه كان يقول لأولاده : إني أعلم من الله ما لا تعلمون ، وكان قوله هذا ردا على قول أولاده له : (قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ) [يوسف : ٨٥] ، وعني يعقوب والد يوسف ، أن ابنه حي ، وأنه لا يمكن أن يأكله الذئب فيكون من الهالكين ، لأن يوسف بشر أباه وهو صغير قائلا : (يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (٤)) ولما ثبت أن يوسف حي يرزق ، بعد أن جاء البشير في العير ، حاملا قميص يوسف فألقاه على وجه يعقوب فارتد بصيرا ، قال يعقوب لأبنائه : ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون ، وحين رفع يوسف أبويه على العرش ، وخروا له سجدا ، أي أبواه وإخوته ، وكان سجودهم انحناء هو طريقتهم في التحية والاحترام ، قال لأبيه : هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقا ، وقال بعد ذلك : ربي قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث ، وحين أكرم عزيز مصر مثوى يوسف بعد أن اشتراه قال سبحانه : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ) [يوسف : ٢١] ، وحين جعله الملك على خزائن الأرض قال سبحانه أيضا : كذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.
فقصة يوسف عليهالسلام كلها تبين كيف يحقق الله وعده ، وينصر عبده ، وكيف أنه سبحانه هو الغالب على أمره ، وأنه يسخر عباده لتحقيق ما يريد ، وأنه حين يخلق العبد الصالح يمهد له