الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧))
[الصف : ٦ ، ٧]
أراد عيسى عليهالسلام الدعوة إلى التوحيد فكانت النتيجة شركا وكفرا آخرين أضيفا إلى ما كان فيه بنو إسرائيل من شرك ، وعيسى تكلم في المهد بإذن الله ، وفعل المعجزات بقدرة الله ، وقد خلق من غير أب بالروح ، ومن هو عيسى حتى يكون الله ، أو ابن الله ، وأمه أم الله؟
لقد فصلنا الكلام كثيرا في الوجودين المطلق والمقيد ، فكل صورة متعينة هي ظهور الوجود المطلق في الوجود المقيد ، والمقيد مقيد بشرط فما من إنسان قادر على أن يكون الله بشرط الإطلاق ، لأن ماهية الإطلاق تقتضي الإطلاق ، مثلما أن ماهية التقييد تقتضي التقييد ، فكيف يكون الله صورة وهو رب الصور؟ وكيف يكون جسدا أي مادة وهو نور؟ حاشاه سبحانه أن يعدله شيء أو أن يوازيه ، وكل ما هو موجود موجود به وبنوره.
٨ ـ (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨))
[الصف : ٨]
ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والناس ، وإن تفرقت بهم السبل ، لا يخرجون على المشيئة الإلهية ، ولئن فعلوا ما كانت المشيئة الإلهية مهيمنة حاكمة ، ولهذا قلنا إن المشيئة الإنسانية داخلة في نطاق المشيئة الإلهية ، وإن الحرية الإنسانية هي الحرية الإلهية في مجال الفعل والتنفيذ. فما هذا النوع الظاهري إلا آثار الفعل الإلهي نفسه ، ووصف في الآية بأنه النور.
ولقوله : (مُتِمُّ نُورِهِ) لطيفة ، فما دام للنور الفعل ، لأن له مبدأ التكثر والانتشار ، فإن لهذا النور مخططا ودورة ، والله وحده هو الذي يعلم فعل نوره في الوجود وأجله وميقاته.
٩ ، ١١ ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١))
[الصف : ٩ ، ١١]
في القرآن ذكر الأولين والآخرين ، وذكر موحدين قدامى بعثوا قبل نزول الأديان السماوية ، والله سبحانه القائل : (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [غافر : ٧٨] ، فتاريخ الأديان هو تاريخ الإسلام باعتبار الإسلام هو الدين الجامع ، وهو الدين الإلهي الحق ما دام معناه التسليم للحق وظهور الإسلام دينا يعني ظهور الحقيقة في ختام المطاف ولهذا نجد في القرآن قصة التوحيد منذ عهد آدم ونوح إلى عهد محمد صلىاللهعليهوسلم : وما دام الإسلام دين التوحيد الشامل فهو الخاتم للأديان ، لأنه به تم توحيد الفعل والصفة والذات ، فانفتح التوحيد وكمل ، وخاطب سبحانه نبيه وهو على عرفة في حجة الوداع : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣].