سورة المجادلة
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ٥ ـ (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥))
[المجادلة : ١ ، ٥]
بطن الآيات إشارة إلى المجادلة في النفس البشرية التي خلقت من نفس واحدة ، وجعل منها زوجها ، فهي زوجان في زوج ، وكنا فصلنا الكلام في هذا التزاوج في كتابنا الإنسان الكبير.
فالإنسان زوجان ، والله القائل ومن كل شيء خلقنا زوجين اثنين ، والإنسان شيء. ولقد ميز الله الإنسان عن الحيوان بالإزدواجية إخراجا للعلم الإلهي المدفون تحت جدار هيكل البدن ، فمن حرم هذا التزاوج وأنكره فهو جاهل طبيعة النفس البشرية ، وما جعل الله فيها من سر هو أصل الإنسان بل أصل الحياة.
والناس يعيشون الازدواجية ، ولكنهم لا يعونها ، أو كما قال هيغل : تحول العقل إلى روح يعي أنه روح ، فالعقل حجاب ، وخلف الحجاب الروح ، وهذا الروح هو الفاعل ، وهو جاعل النفس نفسين متزاوجتين تحقيقا للحكمة الإلهية من خلق الإنسان.
فعلى الإنسان أن يدرك طبيعة نفسه ، وسر وجود التضاد فيها والازدواجية ، وأن يعي أيضا ما غاية وجود هذه الازدواجية ، فإذا وعى وأقر أن النفس نفسان ، أصل وفرع ، وأنهما زوجان اثنان بأمر الله ، كان عليه من ثم أن يحرر رقبته من نير الأنا أولا ، فإن لم يستطع ، فإن عليه أن يصوم أياما معدودات ، أو أن يطعم المساكين ، وهذه سنة الله في المسلمين الذين أوجب الله عليهم أن يسلموا وجوههم إليه ، وأن يعتقوا رقابهم وذلك باتباع طريق الأخلاق والشريعة ، ويعد (إحياء) الغزالي سكة واضحة المعالم محددة تؤدي إلى الكشف عن حقيقة التزاوج النفسي في الإنسان ، وسمى الإمام هذا الكشف علوم المكاشفات.