٦ ـ (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦))
[المجادلة : ٦]
سبق أن تحدثنا عن البعث الذي هو بعثان ، قريب وبعيد ، معجل ومؤجل ، وحقيقة البعث القريب أن الله بكل شيء محيط ، وأنه ما دام هو عين الإنسان وملهم نفسه وسامع نجواه فهو بهذا باعثه ، إذ البعث هنا الإحياء الذي هو صفة من صفات الحي ، ثم التحريك الذي هو تابع إلى صفة القدرة ، ثم تحقق صفة العلم ، وكنا قد تحدثنا عن أسماء الصفات المودعة في الإنسان ليستفيد الله علما من المعلومات المجملة وذلك بتفصيلها وتجليها ، والعملية كلها شهود ، وكنا تحدثنا عن الشهادة ، والشهادة هنا إلهية ، أي شهود الواحد للكثير ، وهذا معنى الإحاطة الإلهية.
٧ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧))
[المجادلة : ٧]
الأعداد المذكورة هي من قبيل الإحصاء ، لأن إرجاع الأعداد إلى أصلها الواحد نظرية مشهورة ، وفصل القول فيها كثيرا ، وأربابها القدامى الفيثاغوريون القائلون بوجود الأعداد المثالية ، أي الجواهر الأولى ، قبل وجود الأعداد الحسابية.
ومعنى الألوهية والربوبية نفي العدد ، ووصف الإمام علي الحق قائلا معل الأنام ولا يعتل ، فإذا كان الله المعل ، وهو صلة العلية الأصلية بين العلل والمعلولات ، والتي نفى وجودها أرسطو ، وما دام الله هو الوجود الحق ، فالنتيجة أن الثلاثة والأربعة والخمسة مرايا تعكس الوجود الحق ، فالحق خاطب نفسه بنفسه عن طريق خلقه فالبدن ضروري لإيجاد محل للخطاب بين المخاطب ـ بكسر الطاء والمخاطب بفتح الطاء ـ وإن تبين بعد رفع الحجاب أن كليهما واحد ، وقلنا أيضا إن لغة البشر أصلها أصوات إلهية ألفت خصيصا لتتركب منها الألسنة المختلفة ، وقال الشبلي : لي أربعون سنة أكلم الله ، والناس يحسبون أني أكلمهم.
فالموحد لا يرى من مناج ومناجى إلا الله ، وهذا ما عناه عبد الغني النابلسي في قصيدته عن الكلام المناجي ، فالخلق وسيلة لتبادل المعلومات ، ومن ثم لفضها وانتشارها وحصول العلم في المعلوم ، ولهذا فسرت الصوفية اسمه تعالى العليم بتجلي العلم في المعلوم.
٨ ، ١٠ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ