الفاكهة المعقولات التي صارت خالصة للعارفين ، ولحم الطير إشارة إلى التعليم الإلهي لعبده ، إذ الطير إشارة إلى الروح نفسه ، واللحم لب الروح ، كما يكون للجوز لب ، وللوز لب ، فالسر كله في اللحم وأكله ، قال صلىاللهعليهوسلم : (خير الطعام اللحم ، وخير الشراب الماء) ، والإشارتان إلى العلم. والحور العين النساء الشديدات سواد العيون وبياضها ، والإشارة إلى البياض والسواد اللذين هما أساس الوجود العياني ، فما من شيء يخرج عن نطاق الأبيض والأسود ، وكل ما في الوجود يدخل في مجال الأبيض والأسود ولقد اكتشف في الفضاء الذري جسيمات دقيقة ، ولكل جسيم جسيم مضاد وهذا ما قال فيه سبحانه : (جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد : ٣] ، فالحور العين بهذا إشارة إلى العين الإلهية الجامعة والباطنة للمخلوقات جميعا وللوجود كله ، فما من شيء إلا وله عين هي هذه العين الجامعة.
٢٧ ، ٥٦ ـ (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦))
[الواقعة : ٢٧ ، ٥٦]
أصحاب اليمين ، أصحاب الجنات التي هي دون جنة القرب والمقام المحمود ، وأصحاب هذه الجنات متكئون على فرش من الصفات والخلال الحميدة ، منعمون في أدائهم العبادات من فرائض ونوافل ، رافلون في حلل بيض ، سيماهم نور ، وأبصارهم نور ، وأجسامهم نور ، فأصحاب الجنة فازوا بالحظ العظيم.
ومع هذا ففي المكث في هذه الجنات دون تجاوزها إلى جنة القرب والمقام المحمود الاحتفاظ بآثار من دعوى الأنا والرسوم ، وعابت الصوفية على من ظلت له بقية من تلك الآثار ودعواها ، وقالوا لو لا تابع أصحاب اليمين الهجرة إلى الله ، وأتموا عروجهم ليبلغوا المقام الذي بلغه النبي وبشر به ، قال صلىاللهعليهوسلم : (إن لله عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، ولكن يغبطهم الأنبياء والشهداء لقربهم ومقعدهم من الله) ، وقال يحيى بن معاذ : الزاهدون غرباء في الدنيا ،