وقوله : (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)) يعني البيت العام ، فليس في الوجود الحق إلا هذا البيت الذي ظاهره البيت العتيق في حرم مكة الصدر ، وبجانبه مقام إبراهيم الموحد والذي هو أمة في رجل ، والإنسان الجزئي كثير ، لكن الإنسان الكلي نوع واحد فرد ، جمع في كيانه الناس أجمعين ، ولهذا قلنا إنه ممثل النوع ، والإنسان النوعي هو بيت من المسلمين أي أن قلبه ، والقلب بيت ، مسلم ، وكذلك حواسه ظاهرة وباطنة ، أنشد عبد الكريم الجيلي :
لي الملك في الدارين لم أر فيهما |
|
سواي فأرجو فضله أو فأخشاه |
ولا قبل من قبلي فالحق شأنه |
|
ولا بعد بعدي فأسبق معناه |
وقد حزت أنواع الكمال وإنني |
|
جمال جلال الكل ما أنا إلا هو |
فمهما ترى من معدن ونباته |
|
وحيوانه مع أنسه وسجاياه |
ومهما ترى من صورة معنوية |
|
ومن مشهد للعين طاب محياه |
ومهما ترى من فكرة وتخيل |
|
وعقل ونفس أو فقلب واحشاه |
ومهما ترى من هيئة ملكية |
|
ومن منظر إبليس قد كان معناه |
ومهما ترى من شهوة بشرية |
|
لطبع وإيثار لحق تعاطاه |
ومهما ترى من سيد متسود |
|
ومن عاشق صب صبا نحو ليلاه |
فإني ذاك الكل والكل مشهدي |
|
أنا المتجلي في حقيقته لا هو |
وإني رب للأنام وسيد |
|
جميع الورى اسم وذاتي مسماه |
وما أنا فيما قد ذكرت جميعه |
|
عن الذات عبد آيب نحو مولاه |
فقير حقير خاضع متذلل |
|
أسير ذنوب قيدته خطاياه |
٣٨ ، ٤٦ ـ (وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦))
[الذاريات : ٣٨ ، ٤٦]
موسى إشارة إلى صوت الهدى الذي وجه إلى فرعون النفس ، فأبى أن يسمعه ، وتولى مستكبرا وأبى فإما أن يسمع الإنسان صوت ضميره ، أو يرغب عنه وينصرف إلى الدنيا وهذا الإنسان وأمثاله كثير ، هو ما أشير إليه بعاد وثمود وقوم لوط ، فما ضرب الله من مثل في هذا القرآن إلا كان له عبرة في عالم الإنسان ، فالإنسان فرعون وعاد وثمود إن لم يؤمن ، والإنسان