عربي أحدية العين حتى إذا كشف الغطاء ، وفهم العبد الإشارة انتهى دور التضاد ، فلا تضاد إلا لأصحاب النفس اللوامة ، أما أصحاب النفس المطمئنة فلقد اطمأنوا وسكنوا وبشروا في داري الدنيا والآخرة.
فالسر في النفس ، وسرك حجابك ، وحجابك نفسك التي بين جنبيك ، ومن لم يعرف نفسه لم يعرف ربه ، ولا أين ربه ، ولا كيف يناجيه ربه ويكلمه ويهديه الصراط المستقيم.
٢٤ ، ٢٥ ـ (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥))
[الذاريات : ٢٤ ، ٢٥]
قال ابن عربي : إن الله يتجلى لعباده في صورة معتقداتهم فيعرفونه ، ثم يتحول عن صورته إلى صورة أخرى فينكرونه ، وحينئذ يكونون كلهم ضالين محجوبين إلا ما شاء الله ، وإبراهيم الموحد الذي لم يتقيد بصورة معتقده ، وضيوف إبراهيم هم صور المعتقدات ، إذ لكل معتقد ملاك موكل به ، ولقد دخلت الضيوف على إبراهيم من الشمال واليمين قائلين سلاما ، فتعجب ، بل أنكر ، ومع هذا فلقد سلم ، فمن لم يقبل بالتوحيد دينا جامعا لكل دين ، بل لكل حقيقة ، بل لكل مظاهر الوجود وصور المعتقدات فإنه لن يدخل من باب السّلام إلى دار السّلام ، وقال ابن عربي في ملة إبراهيم : هي التوحيد الذي يشمل كل دين.
٢٦ ، ٢٨ ـ (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨))
[الذاريات : ٢٦ ، ٢٨]
العجل إشارة إلى نفس إبراهيم الحيوانية الجزئية ، وقد قدمها أضحية لله لما دعاه الله إلى التوحيد كما فعل من قبل لما أراه في المنام أن يذبح ولده ، ففهم إبراهيم الإشارة ، وعبر الصورة إلى المعنى ، وعزم على ذبح ولده ممتثلا أمر ربه ففداه بذبح عظيم ، فغلام إبراهيم هو الغلام الذي بشر به الضيوف ، والإشارة إلى ولادة العلم الإلهي الذي يجازي الله به عبده الذي قدم نفسه أضحية له ، أي رضي أن يموت موتا معنويا ، لما علم أن نفسه لله لا له ، وأنها قائمة بالجوهر وهي العرض ، وأنها شعاع الروح الصرف حبيسة في عالم المادة ، وما ثمت مادة ولا روح في حضرة الواحد الأحد الفرد الصمد ، طاوي الجنة والنار إذا ارتفع الضحى واشتد النهار.
٢٩ ، ٣٠ ـ (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠))
[الذاريات : ٢٩ ، ٣٠]
امرأة إبراهيم مثل امرأة زكريا التي ورد ذكرها في سورة مريم والتي كانت عاقرا ، ومع هذا