سورة الذاريات
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ١٦ ـ (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦) وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦))
[الذاريات : ١ ، ١٦]
الذاريات إشارة إلى بدء التحريك الذاتي ، فالذاريات الرياح الإلهية التي تفعل عن طريق الروح الكلي أول صدور عن الله ، والرياح تحمل السحاب ، والسحاب يحمل الماء ، والإشارة إلى الأسماء المحمولة الحاملة ، فهي محمولة على أجنحة الروح ، وهي حاملة أثقالها من المعقولات الصفات والجاريات السفن العائمة في بحر الوجود العياني ، فهاهنا بدأت المعقولات تحمل في بحر الهيولى ، وهي في الوقت نفسه تحمل لعالم الهيولى ما لديها من صور ، والمقسمات أمرا السفن المعقولات التي هي كثيرة ، وعددها لا نهائي لأن الله مجريها لا نهائي أيضا ، فالمقسمات إشارة إلى الملائكة المعقولات وقد انطلقت أشعة من الروح لتقسم الوجود العياني إلى رمز المعقولات المتعينة.
والسماء ذات الحبك طرق السماء حاملة المعقولات ، فلكل معقول طريق ، ولكل صفة تعين ، فالمعقول يطلب المحسوس حثيثا ، وكل معقول ميسر لطلب ما يظهر به ، فالسماء طرق لا نهائية ، وأمام هذا النظر العلوي الجامع الأخاذ يقف الصوفي المكاشف ، وقد رأى غيب الغيوب ظاهرا في هذه الجيوب من الصور كما قال صلىاللهعليهوسلم : (إن في الجنة سوقا ما فيها بيع ولا شراء إلا الصور من الرجال والنساء).
والناس في قول مختلف يؤفك عنه من أفك ، أي أن من هدي الصراط المستقيم فلقد كشف الله عنه غطاءه فبصره حديد ، وهو قد بلغ اليقين ، وجاءه الفتح المبين ، فعلم يوم الدين ، وما أدراك ما يوم الدين ، يوم يكون الناس فيه مجموعين في القبضة ، فقبضته مهدية وقبضة من الضالين المحجوبين التائهين في صحراء العيان ، لا يعلمون من أين وإلى ، ولقد جاهدت الفلاسفة قدامى ومحدثون لكشف النقاب عن حقيقة الوجود ، فمنهم من عرف ، ومنهم من علم ، ومنهم من تصور وظن ، وقال ابن عربى : الفيلسوف ليس كل علمه باطلا ، وليس القول