قدمنا ، والنفس الانطباع بهذا الأثر ، أو انعكاس صورته فيها ، والنفس هنا جامعة ، ولذلك دعيت النفس الكلية ، ولم تفرق الصوفية بين مصطلحات الروح والقلب والنفس ، وقالوا إن حقيقة هذه الأسماء واحدة وهي الحق تعالى ، ولهذا كان عالم العيان مجال فعل الله ونشاطه.
وجاء في الآية السادسة عشرة أن الله يعلم ما توسوس به نفس الإنسان ، والحقيقة أن الله جعل في النفس انشطارا هو السالب والموجب ، وخص كل شطر بأسماء وصفات ، فكان هو الناقض والنقيض وله مجمع النقائض ، وهذا بدهي ما دام لله الصفات والأفعال.
وقالت الآية السابعة عشرة أن ثمة ملكين عن اليمين وعن الشمال ، وعلى مستوى الجمع يطوى اليمين والشمال ، وينتهي دور الملكين ، لأن مصدرهما معقول واحد وعقل واحد ، فالرقابة الذاتية ما كانت إلا لكي تمارس أسماء الصفات دورها عن طريق أسماء الأفعال التي جعلت تفعل وتنفعل ، وقالت الصوفية إن من هذه الأسماء الفاعلة الرزّاق والمصور والعادل والرافع الخافض ، وهي تعرض قواها على شاشة الذات التجريبية ، وبما أن الشاشة شاشة ، فالذات الخالصة هي التي تفتق إذا قوى أسمائها بنفسها ، ولهذا سميت النفس نفسا بنصب الفاء ، والنفس خارج وداخل ، صاعد وهابط.
فالذات الخالصة تطرح موضوعا ، وعن طريق الثالوت العقل والعاقل والمعقول يفض كنه المعقول بالتحريك ، فتستفيد أسماء الصفات نفسها علما وهذا أمر شرحناه في كتبنا السابقة وفي فصول سابقة من هذا الكتاب ، والصوفية يلحون على القول إنه لا إله إلا الله ، والأشاعرة أئمة مذهب أهل السنة يلحون على أنه لا فاعل إلا الله ، والله سبحانه القائل هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، ولدى استعراض مصطلحات الصوفية كالفناء وسقوط السوى والأغيار والبقاء بعد الفناء ، وما الفناء سوى ظهور حقيقة الأعراض القائمة بالجواهر الأسمائية ، وقيام الجواهر الأسمائية بنور الجوهر الفرد القديم ، نخرج بنتيجة أن الذات الإلهية اشتقت الذات التجريبية للتجريب ، فكما أن المؤلف يؤلف ليكون مؤلفا ، وكذلك المخترع والفنان والمهندس ، كذلك الله يعرض صوره من المفاهيم الأزلية والمعقولات الكلية على شاشة النفس ثم يحركها ويدخلها في بعضها بعضا ، ويخرجها من بعضها بعضا ، ويربط بعضها ببعض ، فإذا أسماء الصفات قد تفتقت وظهرت ، وصار المحصول داني القطوف ، فاستفاد الله علما مما كان بذورا فقط. وقالت الصوفية إن من أسماء الصفات السميع البصير العليم الحكيم الخبير ، فعلى الحقيقة كل من عليها فان ، ويبقى وجه الله ذي الجلال والإكرام ، ووجهه حقيقة الأسماء الصادرة فعلا والعائدة علما إلهيا يباهي به الله ملائكة المعقولات نفسها ، وهذا العلم هو ما حمله الله آدم ، ولهذا كان آدم ممثل النوع ، وممثل الجميع ، ومقام عين الجمع ، واسم