الجديد الذي كشف الغطاء عن الجوهر والغيب ، وقال ما هو ، وأين هو ، وكيف يفعل ، وما الإنسان ، وما مكانته في الوجود ودوره ، وهذا هو التبصير الذي تحدثت عنه الآية من الله للعبد المنيب الذي صار صورة الإنسان الكامل.
والإنسان الكامل إنسان مطلق بشرط الإطلاق ولا بشرط الإطلاق ، فبشرط الإطلاق هو كلي جمعي ، ولا بشرط الإطلاق هو إنسان متعين جمع في كيانه الذات والموضوع ، ونجد لدى تعين هذا الإنسان ، ووصول المتعين درجة الكمال ، أنه قد صار قادرا على التنبؤ عما في الغيب ، وعما حدث في الماضي ، وعما سيقع في المستقبل ، وكنا قد تحدثنا عن الدور الذي لعبه النبي صلىاللهعليهوسلم لما تحدث عن الماضي كاشفا صفحة الحقيقة ومصححا كل ما دخل على التاريخ من تحريف ، وأوردنا أيضا كل ما تنبأ به النبي عن فتح المدائن وقصور الشام ، وكيف تنبأ بقتل علي ، وعمار بن ياسر ، وكيف أسر إلى ابنته فاطمة ، وهو في النزع ، أنها أول أهله لحوقا به ، فماتت بعد وفاته بأشهر.
فثمت طي للزمان في نظر هذا الإنسان ، ولما كان الزمان ثالث ثلاثة من ظاهرة الامتداد وقانون العلية والزمان الوجودي ، كان الإنسان الكامل هو الظاهرة الوجودية الفريدة الوحيدة الجامعة في ظهورها بين الذات والموضوع جميعا ، فما عجزت عنه الفلاسفة أجمعون ، قدامى ومحدثون ، استطاع الإنسان الكامل الممثل في النبي أو الولي بلوغه وتحقيقه ، فلقد دخل في باعه الامتداد أو الموضوع الذي لطالما وقفت العلماء والفلاسفة أمامه عاجزين.
إن محاربة الصوفية للعقل ، وعلى رأسهم الإمام الغزالي ، ومن بعدهم الفيلسوف كانط ، والانتصار لكفة الشريعة الداعية إلى رفع الأخلاق ، أي رفع العمل فوق الفكر والنظر العقلي ، قد أثبت إذن جدواه ، وحل قضية الذات والموضوع ، وكشف النقاب عن الواحد النوراني الكثير الأجنحة ، الطاوي تحت أجنحته الذات والموضوع معا ، ولو أن التاريخ لم يثبت أن ما تنبأت به الأنبياء كان صحيحا ، وأن السنين الجداب أعقبت السنين الخصبة في مصر وأكلتها في زمن يوسف ، وأن المسلمين فتحوا مدائن كسرى وقصور الشام في غضون بضع عشرة سنة ، وأن الإمام علي قتل بيد سائسه ابن ملجم ، وأن فاطمة ماتت بعد أبيها النبي ببضعة شهور ، لو أن هذا لم يقع لما أمكن إثبات أن في وسع الإنسان أن يكون مظهر الكيان الإلهي الجامع للذات والامتداد معا ، والطي الثاني هو طي قانون العلية ـ السببية الذي هو قانون الوجود ولا يمكن خرقه ، وله قوانين تتبعها العلماء مستكشفين دارسين ، وقد انتقد الإمام الغزالي سلطان هذا القانون ، ومن قبله الأستاذ الأشعري الذي قال إن النار لا تكفي لإحداث الإحراق ، وإن ثمة قوة أخرى تتدخل لإحداث الفعل هي القوة الإلهية ، وفي الفلسفة الحديثة