بشقيه الظاهر والباطن فحسب.
وزينة السماء مصابيح ، والمصابيح أسماء ، ولكل إنسان مصباح يحفظه ، والمصباح يوقد من شجرة زيتونة لا شرقية ولا غريبة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور ، فليس تحت السماء إلا بشر يحملون السماء على رؤوسهم ، لا بل وفي رؤوسهم ، وهم بها أيضا محمولون.
وقوله : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) يعني شقوق ، والشقوق عيوب لا يمكن أن توجد في هذا النظام الكوني الحاكم من فوق إلى تحت ، ومن تحت إلى فوق ، ثم هو في الحقيقة حاكم بلا فوق ولا تحت ، وليس ثمت إلا الواحد القهار.
وإذا رجعنا إلى كوجيتو ديكارت كان الإنسان حيوانا يفكر ، ولما كان فكره نتيجة نشاط روحي فيه ، كانت النتيجة أن الإنسان عبد فكره ، ولهذا أصاب ديكارت المفصل لما أطلق سهما ما أطلقه رام عن قوس ، دون أن يعلم مدى وأهمية ما فعل ، قال لا مارتين : إنني لا أفكر على الإطلاق ، وإنما أفكاري هي التي تفكر لي.
فالإنسان مخلوق إلهي يفكر لله ، والله به يفكر ، أي يفتق مضامين المعقولات بالإنسان وفيه ومن خلاله ، ولهذا كان الإنسان عبدا لله ، مؤمنا كان أو كافرا ، مطيعا أو عاصيا ، وهذه مسألة من أصول الدين اعتمدتها أساتذة الصوفية وافترعت منها الفروع ، قال جلال الدين الرومي : المؤمن والكافر كلاهما ينطق باسم الله ، ولكن شقة واسعة تفصل بينهما. وقال أيضا : أيها المتعشق لعقله إعلم أن نور حسك قبس مستعار من نور العقل الكلي ، إنه ذهب أشرق فوق نحاسك.
٧ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧))
[ق : ٧]
لو لا الأرض ما كانت السماء سماء ولا سميت سماء ، فالمعقول بحاجة إلى ما يظهر به ، وما دام المعقول برزخا بين المادة والنور فهو بحاجة إلى نور أول يقوم به ، وإلى مادة يظهر بها ، فالمعقول محمول ثان مثل الإنسان يحمل الإنسان ، ويحمله الإنسان سواء بسواء.
٨ ، ١٤ ـ (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤))
[ق : ٨ ، ١٤]
خص سبحانه العبد فقط بالتبصرة التي هي تبصير من الله ، وربط الآية بالآية السابقة التي ختمت بالقول : (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ،) والأرواح المعقولات الثابتات الكليات ،