سورة ق
بسم الله الرّحمن الرّحيم
٣ ، ١ ـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣))
[ق : ٣ ، ١]
قرن حرف القاف بالقرآن ، والقاف القوة التي أخرجت القرآن العلمي إلى القرآن العياني ، فليس في الوجود من مطلق ومتعين إلّا القرآن الذي هو اللوح المحفوظ ، ولهذا وصف في الآية بأنه مجيد.
٥ ، ٤ ـ (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥))
[ق : ٥ ، ٤]
تنقص الأرض من الإنسان جسده ، ولا تطال الأرض النفس ، والنفس هي مستودع الجسم ، لا الجسم هو مستودع النفس ، فالنفس أكبر وأعم ، وهذا ما قاله أرسطو ، فالنفس خالدة ، لأن أصلها الجوهر اللطيف الذي هو أصل الزماكان ، فالزمان والمكان نتيجة لنشاط هذا الجوهر.
٦ ـ (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦))
[ق : ٦]
يذكر الحق بالسماء ، وقلنا السماء موضع المعقولات ، وقلنا إن في السموات السبع ما يكون في رأس الإنسان من قوى السموات كالفكر والخيال والحدس والذاكرة ومراكز الحواس. فهذه كلها مراكز إلهية اتخذت من الدماغ البشري محلا لممارسة قواها ، وآلة للتسيير والتنفيذ ، ويقف العلم الحديث حائرا أمام الدماغ الذي لم يستطع أن يكشف سر نشاطه ، ولا كيف يفكر ، وهل الدماغ هو الذي يفكر ، أم أن شيئا آخر خفيا يفكر به وفيه؟ فالمسألة التي أثارها ديكارت بقوله : أنا أفكر إذن أنا موجود ، كانت أبعد مرمى أطلقها الفكر حين اعتمد الفكر أساسا للوجود.
والحقيقة أن سماء الفكر هي الحاكمة في الدماغ ، والدماغ سيارة لا بد لها من سائق ، ولا بد للسائق من سيارة تحمله وهو يقودها ، فهو القائد وهي الحامل ، وبين القائد والحامل يبرز الإنسان كظاهرة وعي تعي هذا النشاط ، ولهذا شبهنا الإنسان براكب في سيارة يظن أن له القدرة والحرية والفعل ، وهو على الحقيقة ماله من الأمر من شيء إلا وعي حركة الوجود