وسلم يصعد عليه لتحقيق المآرب والآمال ، هكذا يرى الغني المال ، وكذلك تراه الغالبية العظمى من الفقراء ، وليس مصادفة أن يجعل الله غالبية أنبيائه ورسله فقراء ، وداود الذي اغتنى خاف أن يحجبه الخير عن ربه ، فطفق مسحا بالسوق والأعناق ، أي جعل يضرب أعناق جياده التي جعلته يغفل عن ربه.
١٧ ، ١٨ ـ (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))
[الحجرات : ١٧ ، ١٨]
عندما يرد الإنسان أسفل سافلين ، والقدوم إلى الوجود خطيئة كما تقول الفلاسفة والمسيحيون ، فإنه يلقي في جب الطبيعة لا يخرجه منه أحد ، والإنسان عبد بطنه وماله وفرجه ، فما له قدرة على الانفكاك من هذا الأسر ، ثم يمن الله على من يشاء فيهديه ، وتكون الهداية كلمات تخطها يد القدرة الإلهية في قلب الإنسان فيستيقظ ويعي ويهتدي إلى الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، وما خرج يوسف من غيابه الجب إلا بعناية سابقة من الله ، ولقد ألبسه جبريل قميصا من نور حماه وهو في جب الطبيعة ، حتى عادت ظلمات الجب أنوارا فسكن واطمأن. ثم أرسل الله وارد الهدى فأخرجه ، ثم السبيل يسره ، ثم أماته فأقبره لما حاولت زليخا النفس الأمارة أن تراوده عن نفسه ، ثم أنشره ربه لما رأى برهانه من نور الحفظ والوقاية ، ثم علمه القرآن والبيان لما بلغ مقام الإحسان ، فتعلم تأويل الأحاديث وتعبير المنام.
فالطريق إلى الله ليست صاعدة من الإنسان إلى الله بل هابطة من الله إلى الإنسان ، فلقد قال سبحانه في يوسف إنه من عباده المحسنين ، وإنه من الصالحين ، علما أن يوسف كان فتى راهق البلوغ فقط ، بل إنه أراه في منامه أن الشمس والقمر والكواكب له ساجدون ، وهو بعد غلام حدث السن صغير.
والآية تقول إن المسلمين الذين أسلموا من غير قتال يمنون على النبي صلىاللهعليهوسلم إسلامهم الطوعي هذا ، فيرد الحق قائلا : إنه هو الذي يمن عليهم أن أسلموا ، وأن لو لا المشيئة السابقة والقدرة اللاحقة لما أسلم أحد ممن أسلموا ، ولظلت الناس ضالين ، في ظلمات الشهوات سادرين ، ولبقي يوسف في غيابة جب الطبيعة حتى كان من الهالكين ، فما نجا من ناج إلا بالله ، فلا يباهي أحد أحدا بإسلامه ، ولا يقولن أحد إني مؤمن ، لأن الله وحده علّام الغيوب ، يعلم متى يبلغ المسلم مقام الإيمان ، ومتى يبلغ المؤمن مقام الإحسان ، ألا يعلم من خلق؟ بلى وهو اللطيف الخبير.