حيث لا يدري فأردي ، فمن تباهى على إخوانه بخلقه ودينه كان من المحجوبين المبعدين المشركين الجاهلين ، فالمؤمنون عند الله سواسية ، ولا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى ، والتقوى الحق تهدي الإنسان سواء السبيل ، وتريه بعين اليقين أن الله هو الوهاب صاحب الفضل فلّله الأخلاق ، وهو الذي أسبغ على عبده الحلل الموشاة التي تجعله علما بين الناس وقبلة الأنظار ، فمن عرف ربه عرف فضله عليه ، ومن عرف فضل الله عليه تواضع للناس أجمعين ، فمن بحر الجود خلع الله على الناس خلع الأخلاق ، فهذا كريم ، وهذا حليم ، وهذا حكيم وهذا عليم ، ولو لا الله ما كان ثمّ كريم ولا حليم ولا حكيم ولا عليم ، قال القشيري : من لاحظ شيئا من أعماله وأحواله ، فإن رآها من نفسه كان شركا ، وإن رآها لنفسه كان مكرا ، فكيف يمن العبد بما هو شرك أو مكر ، والذي يجب عليه قبول المنّة ، كيف يرى لنفسه على غيره منّة؟ إنها ليست منّة إنما هي لصاحبها محنة ، وسأل أحدهم رابعة إني قد أكثرت من الذنوب والمعاصي ، فهل لو تبت يتوب علي؟ فقالت لا ، بل لو تاب عليك لتبت ، وقال رجل للإمام عبد القادر الجيلي : كيف الخلاص من العجب ، فقال : من رأى الأشياء من الله ، وأنه هو الذي وفقه لعمل الخير ، وأخرج نفسه من البين فقد سلم من العجب.
١٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢))
[الحجرات : ١٢]
لما كان الإنسان مظهر الاسم الإلهي كان الناس أجمعون تعينات الأسماء ، ولما كانت الأسماء لله وجب على الإنسان احترام هذه المظاهر ، والأخذ بعين الاعتبار ما كان منها اسم للجمال واسم للجلال ، اسم للآلاء واسم للبلاء ، والله هو القابض الباسط المعز المذل ، يرفع من يشاء ، ويذل من يشاء ، ومن أسمائه تعالى الستار ، والله يحب الستر ، ونقد الناس في غير مجال تطبيق الشريعة وحدودها معناه انتقاد فعل الله عزوجل ، لا بل وانتقاد قضائه وقدره ، فالمغتاب هو بمثابة من يأكل لحم أخيه ميتا ، ولقوله سبحانه هذا نكتة ، ذلك أن الأحياء أحياء بالله ، أموات بأنفسهم لأنهم أعراض ، والأحياء أجزاء من الاسم الحي الكبير ، فالذي يغتاب أخاه كان كمن أكل لحمه ميتا ، والإنسان ميت على كل حال ، فلا يغتاب أحد أحدا إلا للتحذير مثلا ، كقوله صلىاللهعليهوسلم : (لا غيبة لفاسق) ، ويريد أن ينبه المؤمن الناس على خطر الفاسق فيجتنبوه ويأخذوا منه حذرهم.
١٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣))
[الحجرات : ١٣]