الفكر ، وضرب لهذا مثلا رجلا يضع على عينيه نظارة زرقاء ، فهو يرى العالم من ثم أزرق ، ولا يمكنه أن يراه إلا أزرق.
١٦ ـ (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦))
[الفتح : ١٦]
لا بديل للقتال ولا بد من القتال ، فالجنة حفت بالمكاره ، والله كتب على الإنسان أن لا يبلغه إلا عن طريق وعرة شاقة لا لعب فيها ولا لهو ، فالله يدفع الناس بعضهم ببعض لأن ما فيهم من أسماء هي متضادة ومزدوجة ومتقابلة يحارب بعضها بعضا ، فعلى سطح هذا الكوكب لا بد من الصراع الذي يرى في أصغر الجراثيم وحتى أكبر الأجرام ، وهذه الحقيقة هي التي جعلت الرسول يقول لمن معه حين رجعوا من القتال : الآن فرغتم من الجهاد الأصغر ، قالوا : وما الأكبر يا رسول الله؟ قال جهاد النفس ، فالنفس بؤرة الصراع والمجاهدة ، ولهذا سماها الله في موضع أمارة فهي موسوسة ، كما سماها اللوامة فهي وإن وسوست بالسوء تلوم ففيها الضلالة وفيها الهدى ، وسماها المطمئنة وذلك بعد أن يكشف حجابها فيعرف الإنسان حقيقة تناقضها فيطمئن ، ولهذا قال عبد الكريم الجيلي : النفس تسمى في الاصطلاح على خمسة أضرب : حيوانية ، أمارة ، ملهمة ، لوامة ، مطمئنة ، وكلها أسماء الروح ، إذ ليس حقيقة النفس إلا الروح ، وليس حقيقة الروح إلا الحق.
١٧ ـ (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧))
[الفتح : ١٧]
للآية أبطن ، منها أن الأعمى قد يكون أعمى البصيرة ليس عليه حرج وذلك نتيجة عمى نفسه وهو ذاتي ، كما أنه ليس على الأعرج الذي لا يمشي على قدميه سويا حرج أيضا ، وقد يكون الأعرج من به ضلالة مجبولة بالهدى ، فهو تارة يفعل السوء بجهالة ، وطورا يتوب ، وتارة ينهض للقتال وطورا يقعد ، كما أنه ليس على المريض حرج ، وقد يكون المريض مريض القلب من داء أو علة نفسية ، وهذا معلوم في علم النفس حيث تفسح العدالة مجالا للمرضى الذين يثبت الطب أن بهم أمراضا نفسية.
١٨ ـ (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨))
[الفتح : ١٨]
كنا قد تحدثنا عن السكينة ، وقلنا إنها السّلام والطمأنينة الناجمان عن وجود برد اليقين ، فالسكينة سكن القلب إلى الحقيقة القائلة إن العين مجمع التضادات فلا حرج ، وهذا السكن