٨ ، ٩ ـ (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩))
[الفتح : ٨ ، ٩]
التسبيح قائم ومستمر ، وهو للمخلوقات كافة ، وللإنسانية عامة ، وللمؤمنين خاصة ، وتسبيح المخلوقات هو صدورها عن أعيانها الثابتة ، أو كما قال أفلاطون صدور المحسوسات عن المثل ، فيزقزق العصفور وتسجع الحمامة ، ويخور البقر ، وتثغو الشياه ، وتصوت الحيتان في البحار ، وتكون هذه السمفونية العالمية تسبيحا لله وتعبيرا عن نظام رائع يشمل كل هذا الوجود العظيم.
أما كون الإنسان مسبحا فيفسره أفلاطون الذي قال بوجود المثل أي الصور ، وأفلاطون جعل في الوجود مثلا جميلة وأخرى غير جميلة ، والله فوق الجمال والقبح اللذين هما نسبة للاعتبار ، فكل إنسان ميمم وجهه شطر الله ، علم أم جهل.
وتسبيح الخواص من الناس ، أي المؤمنين المتقين ، هو نتيجة معرفة الله ، والمعرفة بالله ، والفناء من ثم في الله ، فإذا تحقق الإنسان بالفناء رأى وتحقق أن ما سبح لله إلا الله باعتباره الخالق والفاعل ، ولأنه لا وجود حقيقيا إلا له ، ولأن النفس صورته ومحل إلهامه ، فإذا سبحت النفس كان هو المسبح ، وهذا تمام التسبيح ومداه ، وهو أن لا يكون في الوجود من موجود سواه ، فسبحان من سبح لذاته بذاته في الدارين وفي العالمين.
١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠))
[الفتح : ١٠]
مبايعة النبي مبايعة الله ، لأن النبي ممثل الله ، وهو الوسيلة لتحقيق مشيئته وإرادته ، فما يفعله النبي أو يقوله هو وحي إلهي ، والنبي لا حول له ولا قوة إلا بالله ، ومن هذا المنظور تابعت الآية قائلة : (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ،) وهنا يفيد التخصيص لا العموم ، فيد الله هنا القدرة السارية في الموجودات ، فما من يد وإلا يد الله فوقها ، أي أن قدرة الله هي التي تحركها ، وهذا موضوع عصا موسى التي انقلبت حية تلقف كل ما تراه ، والعصا إشارة إلى القدرة.
١١ ـ (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١))
[الفتح : ١١]
إن أراد الله بقوم ضرا سلط عليهم خواطر السوء فضلوا ، وإن أراد بقوم نفعا أرسل عليهم خواطر الخير فاهتدوا ، وعلى هذا فليس خارج هذا السلطان سلطان ، ولهذا تحدى سبحانه