وإقامة الحدود ، أي تطبيق الشريعة التي لا يقوم المجتمع إلا بها ولا يصلح ولا يدوم ، والسكينة نور جواني ، به يرى صاحبه أنه ليس إلا لهذا النور مسكنا فيشع هذا النور ويعم حتى يعم الوجود كله ، فيعوم كل شيء في هذا البحر النوراني الذي إن شع شعشع الوجدان وطفر صاحبه سور المنطق والبرهان.
٥ ، ٦ ـ (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦))
[الفتح : ٥ ، ٦]
دخول المؤمنين والمؤمنات الجنات نتيجة اتباعهم صوت الهدى وكونهم مطايا الأسماء ، فكما تصب السواقي في الأنهار ، وتصب الأنهار في البحار كذلك ينتهي ممثلو أسماء الجمال إلى الجنة الجميلة ، ومن سار على الدرب وصل.
والفوز العظيم الفوز باليقين وعلم اليقين ، وأكثر أهل الأرض جاهلون لا يعلمون من أين جاؤوا ولا إلى أين يذهبون ، فسبحان من بيده ملكوت كل شيء ، أتى المؤمنين سؤلهم ، فكانت الجنة لهم مفازة من عذاب الدنيا والصراع ، فحطوا عصا الترحال في هذه الواحة ذات الظلال ، يفيئون إليها طلبا للراحة ، وأضيافا على الله صاحب الأنوار ، وكما يصير المؤمنون إلى الجنة يصير الكافرون والمشركون والمنافقون إلى النار ، والسبب كما ورد في الآية كونهم هم أنفسهم يظنون بالله ظن السوء ، وما ظن السوء؟ هو أن يتصور الإنسان صورة الله لها كذا وكذا من الصفات ، فإن كان كافرا أنكر وجود الله ، وإن كان منافقا رسم لله صورة النفاق أي اللون ، وإن كان مشركا جعل صورة الله جامعة للشركاء ، وعلى رأسهم خواطر الإنسان نفسه وأناه ومشيئته وإرادته ، فكما يكون الإنسان يولى عليه ، وبالألوان التي يرسم بها ترسم له من ثم صورة يحبس داخل إطارها ، وبالمداد الذي يكتب به كلمات عقله يكون المداد الذي يحكم به عليه.
٧ ـ (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧))
[الفتح : ٧]
الآية تفيد الجمع والحصر ، فلا خروج لأحد على دائرة المشيئة الإلهية ، وسبق أن قلنا إن جنود الله الخواطر التي تغزو رأس الإنسان ، وإذا كان الله غازي رأس الإنسان فما ذا بقي من الإنسان؟ وإذا كان الله غازي كل شيء استوى بالتالي على العرش عزيزا قويا قادرا قاهرا لا شريك له في الملك ، حتى ولو امتلأت الأرض والسماء بصور الشركاء.