سورة الفتح
بسم الله الرّحمن الرّحيم
١ ، ٣ ـ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))
[الفتح : ١ ، ٣]
الفتح إشراق نور اليقين في فجر الاستفاقة من نوم الغفلة ، والفتح علم باطني ذاتي سماه سبحانه اللدني ، أي من لدنه ، فكان الفتح فتحا مبينا إلهيا ، به وعن طريقة يصل الإنسان إلى الله ، فمن أوتي الفتح فلقد أوتي خيرا كثيرا ، ومن أوتي الفتح أوتي العلم الحقيقي الذي لا يشوبه شك ، وليس بحاجة إلى دليل وبرهان ، ولهذا اتصفت الأنبياء بالعزم لدى الدعوة إلى الإيمان بالله ، لأن ما رأوه في الفتح يجعل الإنسان بركانا يثور ليحطم كل ما في طريقه من سدود الأصنام والأوثان.
أما الغفران الذي يعم ما تقدم من الذنب وما تأخر فمصدره المغفرة الوجودية السابقة التي سبق أن تحدثنا عنها ، والتي تطلع النبي والولي كشفا على أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وأن أمر الله كان قدرا مقدورا ، وأن الإنسان مأخوذ بالناصية لتحقيق المرام ، فالمغفرة للنبي نتاج العلم الذي يطلع الإنسان على حقيقة شمس الوصول التي إن أشرقت أطفأت مصابيح الأصول فتبين للمكاشف أن كل إلى طبعه راجع وصائر كما أعلن الإمام الغزالي.
والكشف يؤدي إلى الصراط. صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، والصراط شمل هؤلاء ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ، فضرب بيمينه على يساره فأخرج ذرية بيضاء كالفضة ، ومن اليسرى سوداء كالحمم ، ثم قال هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي) ، وعلق الدكتور عاطف نصر قائلا : لقد فهم الصوفية من الحديث إشارته إلى الفضل والعدل الإلهيين ، وإلى ما تقتضيه الحكمة من السعادة والشقاوة ، لأنهما لا معنى لهما إلا بوجود السعداء والأشقياء.
٤ ـ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤))
[الفتح : ٤]
السكينة وجود برد السّلام في القلب بعد إخماد نيران التناقض والتضاد ، فالإنسان في النار ما لم يصل إلى ربه ، ويعرف ربه ، ويرى آياته في السموات والأرض وفي نفسه ، والسكينة إلقاء سلاح الجهاد إلا إذا دعت الضرورة إلى تطبيق قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،