تحدثنا عن أن الوجود الإنساني كهف ، بل إن الوجود كله بما فيه كهف كبير ، والله يقلب من في الكهف ، وهذا معنى قول الصوفية لا حركة ولا سكون إلا بأمره ، فهذا العالم المائج بالحياة يحيا بالله ، ولو لا الله ما كان العالم ولم يحي.
والمثوى إقامة ، والكهف المثوى ومحل الإقامة ، والإنسان في مثواه متقلب بإذن الله ذات اليمين وذات الشمال ، أي أن قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.
٢١ ، ٢٣ ـ (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣))
[محمد : ٢١ ، ٢٣]
من لم يلب دعوة الله فهو الخاسر ، ودعوة الله قد تكون على لسان نبيه الذي يوحى إليه ، أو قد تكون وحيا مباشرا كما قال سبحانه : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) [الشّورى : ٥١] ، وهذا ما سمته المحدثون الضمير ، فمن قعد به الكسل لم يطفر السور المضروب بين الإنسان والله ، لكي يكتشف الله وأين هو.
وطبيعة الأسماء نفسها تقتضي القتال ، وهذا أمر ألححنا عليه في جميع كتبنا السابقة ، فالأمر كما قال سبحانه إن الإنسان رد أسفل سافلين من طبيعته الكثيفة الجسمية وقواه الشهوية والغضبية ، وما من سبيل إلى الخلاص من هذا الشباك إلا بالقتال ، قتال النفس الأمارة ، وقتال الأعداء ثانيا ، فمن جاهد في سبيل الله كان جهاده خيرا له لا لله لأن الله ليس في حاجة إلى أحد فهو غني عن العالمين ، وكل ما يطلبه الله من الإنسان أن يعرفه الإنسان ، وإلا لما كان لله حاجة في خلق الإنسان.
فالخير في الشر ولا يعلم الإنسان ، والشهوة الحقة ليست تلك التي تشبع عن طريق الحرام ، لأن الشرب من هذا المورد كشرب ماء البحر لا يزيد العطشان إلا عطشا ، ولا يزيد قلبه إلا رينا وصدأ ، إنما أحل الله الحلال وحرم الحرام ، وفرض القتال لكي يحقق الإنسان القصد من خلقه والنبي صلىاللهعليهوسلم أحب النساء ، وكان يخطب المرأة لجمالها ولحسبها ونسبها ودينها كما جاء في الأحاديث ، والنبي صلىاللهعليهوسلم القائل : (النكاح سنتي ، فمن رغب عن سنتي فليس مني) ، فالنكاح الذي دعا إليه النبي وحث عليه لا يتعارض وكون الإنسان عابدا لله قانتا قائما آناء الله وأطراف النهار ، وترى في كتاب الإحياء للإمام الغزالي دليلا على هذا ، فمن جهة حث الغزالي على الصوم حتى حد البلغة من الطعام ، ومن جهة حث على النكاح ضاربا أمثلة الصحابة ومنهم بخاصة الحسن بن علي أحد سيدي شباب أهل الجنة الذي اشتهر بالزواج وطلب النكاح الحلال.