بأبي جهل بن هشام) ، فهدى الله عمر ، وأضل أبا جهل ، والملاحظ أن سورة فاطر
تسمى أيضا سورة الملائكة ، وللتسمية لطيفة تذكر بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ*) وقوله : (وَما يَعْلَمُ
جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدّثّر : ٣١] ، وقوله على لسان الملائكة : (وَما نَتَنَزَّلُ
إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) [مريم : ٦٤] ، وقوله : (وَما جَعَلْنا
أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) [المدّثّر : ٣١] ... وقلنا إن الملائكة رموز المعقولات لشفافيتها
ونورانيتها ، فالنتجة أن الله يزين للإنسان سوء عمله عن طريق فعل الملائكة
المعقولات تحقيقا لمشيئة تهدف إلى أن يكون عمر بن الخطاب من الصحابة وأحد الخلفاء
الأربعة ، والذي قال فيه صلىاللهعليهوسلم : (لو كان نبي بعدي لكان عمر) ، كما تهدف إلى أن يكون
أبو جهل أبا الجهل الذي اشتهر به ، سبحانه لا إله إلا هو ، له الملك في الدارين ،
لا مليك غيره ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، إنه على كل شيء قدير.
١٥ ـ (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ
الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ
يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ
مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ
أَمْعاءَهُمْ (١٥))
[محمد : ١٥]
عرض جبريل على
النبي وعاءين ، في أحدهما لبن ، وفي الآخرة خمر ، وقال إختر لأمتك ، فاختار اللبن
، فقال جبريل : أصبت الفطرة ، وأول صلىاللهعليهوسلم اللبن بالعلم ، وتشتهر النصارى بضرب الخمر مثلا للمحبة
، كما يشيع ذكر الخمرة وكؤوس المدام في وصف العشق لدى الصوفية العاشقين ، والإشارة
إلى المحبة التي تجعل العشاق سكارى ، وما هم بسكارى ، ولكن الوجد والشوق والحنين
يجعل العشاق في حال كحال من شرب خمرا حتى ثمل وانتشى.
أما العسل فهو
رمز الحكمة ، ولقد ذكر هذا الرمز في كتب الصوفية ، وفي كتاب تفسير الأحلام لابن
سيرين ، وقال سبحانه في العسل : (فِيهِ شِفاءٌ
لِلنَّاسِ) [النّحل : ٦٩] ، وقال : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ
مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ، فثمة صلة بين الشفاء والخير الذي يحصل للإنسان عن طريق
الحكمة التي هي خير كلها ، وأي خير أفضل من عقل منور يؤتاه الإنسان يميز به الخبيث
من الطيب ، ويهتدي بنوره في ظلمات الحياة ، وتكون له فراسة صادقة بها يعرف معادن
الناس وأحوالهم.
١٦ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ
حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا
قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا
أَهْواءَهُمْ (١٦))
[محمد : ١٦]
من كان ذا
بصيرة منورة فبصره يؤدي إليه صورا تقبلها بصيرته وتقرها وتفهمها ، ومعلوم أن النصح
لا ينفع الضالين ، ومعلوم أن لتقبل النصح درجات ، فمن الناس من يستمعه ويتبعه ،