الجزئية لأن عين الوجود واحدة وهي الحق ، ولهذا ختمت الآية بالقول (وَأَنَا رَبُّكُمْ) أي رب هذا الجنس وغيره ، وأنا رب الوحدة لأني أنا الأحد والواحد.
٥٣ ، ٥٤ ـ (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤))
[المؤمنون : ٥٣ ، ٥٤]
الأحزاب تعينات الأسماء حيث يظهر كل حزب في اسم ، فتعدد الأسماء والمسمى واحد ، ففي هذه الدائرة المركز واحد والمحيط واحد كثير بأسمائه المتعينة.
وقوله : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ،) يعني إيمان تعين الاسم بالخاطر الذي يوحيه الاسم ذاته ، وهذا ملاحظ في الناس حيث يميل المؤمن إلى المؤمن والكافر إلى الكافر ، والمنافق إلى المنافق ، وثمة لطيفة في الآية في جمعه بين الحزب وهو مفرد وقوله : (لَدَيْهِمْ) أي الجمع ، فالاسم من حيث القرار مرجعه إلى الوحدة التي تكلمنا عنها ، وهو من التعين كثير وأشير إلى هذه الكثرة بلديهم ، ومعنى لدى عند ، فعند الكثرة ثمة وحدة لطيفة غير مبصرة إلا لمن فتح الله عين بصيرته ، فشاهد الوحدة في الكثرة والوحدة في الكثرة.
٥٥ ، ٥٦ ـ (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ (٥٦))
[المؤمنون : ٥٥ ، ٥٦]
وصف سبحانه المال والبنين في موضع آخر بزينة الحياة الدنيا ، ودعا سبحانه إلى تجاوز هذا الحجاب إلى الباقيات الصالحات ، وفي الآيتين وصف المال والبنون بالاستدراج ، والربط بين الآيات يظهر أن الله حذر أشد ما حذر من الكثرة والعلاقات المادية التي وصفها بأنها زينة ... وأما الكثرة فلتعلق القلب بالصور ، خاصة إذا كانت الصورة ولدا ، وأعظم ما يعلق القلب الولد لأنه امتداد للفرد ، والولد صورة ، والصور لله ، فالولد لله هو خالقه ، ومصوره في الرحم ، وواهبه لوالديه ورازقه وميسره للسعادة أو للشقاء ، فالولد وسيلة ظهور إلهية ، وهو قابل من رأسه إلى أخمصيه ، وهذا الإنسان منكوح من رأسه إلى عقبيه ، وإذا لم يستدل بالصناعة على الصانع فبئست الصناعة وبئس الولد ، ولهذا كان امتحان الله لإبراهيم عليهالسلام في ولده لما أراه في المنام أن يذبحه ، ولئن دعي إبراهيم إلى ذبح نفسه لكان ذلك أهون عليه من ذبح ولده ، فهذه الخيرات الممثلة في الولد والمال وسيلة لتعرف الخالق صاحب أسماء الحي والبارئ والمصور والرزاق ... فإذا لم تتحقق الغاية من الخلق فالمال والولد شر وحجاب وأكثف حجاب.
٥٧ ، ٦١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١))
[المؤمنون : ٥٧ ، ٦١]