الإنسان ، فأي كنز أعظم من هذا الكنز؟ فمن غاب عن الله خسر الدنيا والآخرة ، وهو يخسر الدنيا قبل أن يخسر الآخرة ، لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان كما قال السيد المسيح ، فالإنسان بحاجة إلى إشباع روحي ، لأنه هو نتاج روحي ، فكل بعد عن المطلب بعد السفر والضياع ، وكل قرب من المطلب هو العثور على السعادة في الوجدان
٤٥ ، ٤٩ ـ (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً عالِينَ (٤٦) فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ (٤٧) فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (٤٨) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩))
[المؤمنون : ٤٥ ، ٤٩]
قوله سبحانه (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا) فيه إنكار من قبل الملحدين لتعين الإنسان الكامل الذي هو الإنسان الكبير والذي هو روح الكون المدبر له كما قال إبن عربي : وظهور النبي تجسد دوري للإنسان الكبير ، فمتى أتمت الدورة الوجودية أجلها ظهر هذا الإنسان متعينا في زمان ومكان ، ولقد شد أزر موسى الذي هو ممثل العقل النظري بأخيه الذي هو ممثل العقل العملي ، فلا بد للإنسان من شريعة تضمن له صلاح أمره في الدنيا والآخرة ، وبهاتين الهبتين يبلغ الإنسان الكمال.
٥٠ ، ٥١ ـ (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١))
[المؤمنون : ٥٠ ، ٥١]
قيل في الربوة إنها مرتفع من الأرض أقرب ما يكون إلى السماء ، والقرار أصل هذه الأرض ، وهو الجسم الكلي ، والمعين ما في هذا القرار من معين من الروح وعلومه .. ولهذا ضرب عيسى وأمه آية ، وللمثل لطيفة .. فلقد قلنا إن مريم إشارة إلى النفس التي تطهرت وانجلت وصارت صالحة لاستقبال الأنوار ، والمسيح ولادة الكلمة من الأب الروح الفاعل ، والمثل يصور مخاض هذا العالم وتمخضه عما ركز فيه من علوم ، ولهذا قال الفيلسوف لا يبنتز إن ثمة مفاهيم أزلية لا يوقظها إلا العالم الخارجي ، فمريم العالم ، والمسيح مجموعة المفاهيم الظاهرة في الإنسان الممسوح بالنور ، فليس في الوجود إلا علم مطوي يريد أن ينشر فخلق بارئه هذا العالم للنشر.
٥٢ ـ (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢))
[المؤمنون : ٥٢]
الأمة الواحدة النفس الواحدة التي بث الله منها ومن زوجها رجالا كثيرا ونساء ، وفي الفلسفة يقال النفس واحدة من حيث تعينها الذاتي ، فالأمة ممثلة الجنس البشري ، ووحدتها من جنسيتها كما يقال جيش واحد وماء واحد ، فمن حيث الهوية فلا فصل بين الهويات