والأرض ، وما هذه الحركة الظاهرة والنشاط الحي للوجود إلا نتاج العقل الإلهي وحده وفعله ، لا إله إلا هو.
وقوله : (أثرة مّن علم) ، له نكتة أيضا ، فلقد بينا في كتابنا الإنسان الكامل أن الطفل يطلب المعقول وينشد العدل والإنسان والحب ، وكذلك الحيوان غير العاقل ينفر من القسوة والأذى ويجب من يحبه ، فهذه نتائج العلم المتفجر من المعقولات والمبعوث في قلب الإنسان والحيوان وقيل في النبات أيضا الذي يحب الموسيقى والحنان ، والسؤال هو كيف وعى الطفل أن الحق حق والعدل عدل والإحسان إحسان؟ وكيف وعى الحيوان هذا أيضا ولماذا إذا ما حاول الإنسان معاكسة المعقولات وإيجاد بدائل لها مني بالفشل الذريع كمحاولات بعض الطغاة أن يزرعوا القوة بدل العدل ، والعصبية بدل الإنسانية ، والأنانية بدل الغيرية.
لقد فطر الإنسان على حب المعقولات الإلهية والتعلق بها وعدم الرضى بها بديلا ، وتلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله هذه ، التي هي العلم ، تحويلا.
٩ ـ (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩))
[الأحقاف : ٩]
قال جلال الدين الرومي : كل من يتلقى من الله الوحي والجواب يكون كل ما يأمر به عين الصواب ، ولقد عاش النبي صلىاللهعليهوسلم حياة وديعة مسالمة حتى اصطفاه الله واجتباه وخصه بالنبوة والرسالة ، وقارئ السيرة واجد فيها العجائب ، فلقد دعا النبي إلى الدين الجديد وحيدا مستضعفا ليس معه إلا آحاد ، ثم الأقلون المستضعفون ، ويعجب المرء لإنسان استطاع وحده وبهذه الإمكانات المحدودة أن يجابه قريشا وفرسانها والعدد والعتاد ، وأن يصر إصرارا بطوليا على تحقيق ما دعا إليه ، وتكون النتيجة أن يفتح المسلمون الأمصار شرقا وغربا في بضع عشرة سنة ، وأن يصبحوا أقوى دولة بعد أن قهروا جيوش أكبر امبراطوريتين في الأرض الفرس والروم ، وأن ينتشر الإسلام في الأرض ويدخل الناس فيه أفواجا ، وأن يحل الإسلام في البلاد المفتوحة حتى يصير هو الأصل وأهل البلاد هم الفروع ، وأن تبقى راياته خفاقة وشعاراته مطبقة مرفوعة أربعة عشر قرنا ، وأن يبلغ عدد المسلمين اليوم خمس عدد سكان الأرض.
ترى لو لم يكن الوحي ، صوت الله وحكمته ، هو الذي سدد خطى النبي وشد أزره ، وانتقل به من الضعف إلى القوة ثم إلى النصر والسلطان أكان يتاح للنبي أن يحقق ما حققه ، وأن يبلغ هذا الشأو من النجاح ، وأن يعد أول رجل في التاريخ كما صنفه أكبر علماء الغرب في عصرنا هذا؟